للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلل المقاتلة الصغار، وتعلق بالأمان النساء والصغار، وبودرت المدينة بالتطهير، ونطقت المآن العالية بالأذان الشهير، والذكر الجهير، وطرحت كفارها التماثيل عن المسجد الكبير، وأزرى بألسنة النواقيس لسان التهليل والتكبير، وأنزلت عن الصروح أجرامها يعيي الهندام (١) مرامها، وألفي منبر الإسلام بها مجفواً فأنست غربته، وأعيد إليه قربه وقربته، وتلا واعظ الجمع المشهود، قول منجز الوعود ومورق العود " وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم، فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك، وما زادوهم غير تتبيب، وكذلك أخذ ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد، إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " هود:١٠٢ فكان الدمع يغرق الآماق، والوجد يستأصل الأرماق، وارتفعت الرغبات، وعلت السيات، وجيء بأسرى المسلمين يرسفون في القيود الثقال، وينسلون من أحداب الاعتقال، ففكت عن سوقهم اساود الحديد، وعن أعناقهم فلكات الباس الشديد، وظلوا بجناح اللطف العريض المديد، وترتبت في المقاعد الحامية، وأزهرت بذكر الله تعالى المآذن السامية، وعادت المدينة لأحسن أحوالها، وسكنت من بعد أهوالها، وعادت الجالية إلى أموالها، ورجع إلى القطر شبابه، ورد على دار الإسلام بابه، واتصلت بأهل لا إله إلا الله أسبابه، فهي اليوم في بلاد الإسلام قلادة النحر، وحاضرة البر والبحر، أبقى الله تعالى عليها وعلى ما وراءها من بيوت أمتك، ودائع الله تعالى في ذمتك، بكلمة دينك الصالحة الباقية، وسدل عليه أستار عصمته الواقية؛ وعدنا والصلاة عليك شعار البروز والقفول، وهجيراً الشروق والأفول، والجهاد يا رسول الله الشأن المعتمد، ما امتد بالأجل الأمد، والسمتان الفرد الصمد.

ولهذا العهد يا رسول الله صلى الله عليك، وبلغ وسيلتي إليك، بلغ من هذا


(١) الهندام: الآلات.

<<  <  ج: ص:  >  >>