الظلام طامس، وعادة الكسل طبع خامس، والنافخ بشكوى البرد هامس، والذبال المنادم خافت، لا يهتدي إليه الفراش المتهافت، يقوم ويقعد، ويفيق ثم يرعد، ويزفر ثم يخمد، وربما صار ورقة آس، أومبضع أس، وربما أشبه العاشق في البوح بما يخفيه، وظهوره من فيه، فتميله الآمال وتلويه، وتميته النواسم الهفافة بعدما تحييه، والمطر، قد تعذر معه الوطر، وساقه الخطر، وفعل في البيوت المتداعية ما لا يفعل الترك والططر، والنشاط، قد طوي منه البساط، والجوارح بالكلال تعتذر، ووظائف الغد تنتظر، والفكر في الأمور السلطانية جائل، وهي بحر هائل، ومثلي مقنوع منه باليسير، ومعذور في قصر الباع وضعف المسير، والسلام انتهى.
وهي من البلاغة في الذروة.
١٠٩ - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى قوله: ومما صدر عني في السياسة: حدث من امتاز باعتبار الأخبار، وحاز درجة الاشتهار، بنقل حوادث الليل والنهار، وولج بين الكمائم والأزهار، وتلطف لخجل الورد من تبسم البهار، قال: سهر الرشيد ليله، وقد مال في هجر النبيذ ميله، وجهد ندماؤه في جلب راحته، وإلمام النوم بساحته، فشحت عهادهم، ولم يغن اجتهادهم، فقال: اذهبوا إلى طرق سماها ورسمها، وأمهات قسمها، فمن عثرتم عليه من طارق ليل، أوغثاء سيل، أوساحب ذيل، فبلغوه، والامنة سوغوه، واسدعوه، ولا تدعوه، فطاروا عجالى، وتفرقوا ركباناً ورجالاً، فلم يكن إلا ارتداد طرف، أوفواق حرف (١) ، وأتوا بالغنيمة التي اكتسحوها، والبضاعة التي ربحوها، يتوسطهم الأشعث الأغبر، واللج الذي لا يعبر: شيخ طويل القامة، ظاهر الاستقامة، سبلته مشمطة،