للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أنفه من القبع (١) مطة، وعليه ثوب مرقوع، لطير الحرق عليه وقوع، يهينم بذكر مسموع، وينبئ عن وقت مجموع، فلما مثل سلم، وما نبس بعدها ولا تكلم، فأشار إليه الملك فقعد، بعد أ، انشمر وابتعد، وجلس، فما استرق النظر ولا اختلس، إنما حركة فكره، معقودة بزمام ذكره، ولحظات اعتباره، في تفاصيل أخباره، فابتدره الرشيد سائلاً، وانحرف إليه مائلاً، وقال: ممن الرجل فقال: فارسي الأصل، أعجمي الجنس عربي الفصل، قال: بلدك واهلك وولدك قال: أما الولد فولد الديوان، وأما البلد فمدينة الإيوان، قال: النحلة، وما أعملت إليه الرحلة قال: أما الرحلة فالاعتبار، وأما النحلة فالأمر الكبار، قال: فنك، الذي اشتمل عليه دنك فقال: الحكمة فني الذي جعلته أثيراً، واضجعت فيه فراشاً وثيراً، وسبحان الذي يقول " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً " البقرة:٢٦٩، وما سوى ذلك فتبع، ولي فيه مصطاف ومرتبع، قال: فتعاضد جذل الرشيد وتوفر، كأنما أغشى وجهه قطعة من الصبح إذا أسفر، وقال: وما رأيت كالليلة أجمع لأمل شارد، وأنعم بمؤانسة وارد، يا هذا إني سائلك، ولن تخيب بعد وسائلك، فاخبرني ما عندك في هذا الأمر الذي بلينا بحمل أعبائه، ومنينا بمراوضة إبائه، فقال: هذا الأمر قلادة ثقيلة، ومن خطة العجز مستقيلة، ومفتقرة لسعة الذرع، وربط السياسة المدنية بالشرع، يفسده الحكم في غير محله، ويكون ذريعة إلى حله، ويصلحه مقابلة الشكل بشكله، ومن لم يكن سبعاً آكلاً تداعت سباع إلى أكله.

فقال الملك: أجملت ففصل، وبريت فنصل، وكلت فأوصل، وانثر الحب لمن يحوصل، واقسم السياسة فنوناً، واجعل لكل لقب قانوناً، وابدأ بالرعية، وشروطها المرعية.


(١) القبع: الصياح أو الإعياء والانبهار.

<<  <  ج: ص:  >  >>