تخلف مني ركب طيبة عانياً ... أما آن للعاني المعنى بأن يُفدى
مخلف سرب قد أصيب جناحه (١) ... وطرن فلم يسطع مراحاً ولا مغدى
نشدتك يا ركب الحجاز، تضائلت ... لك الأرض مهما استعرض السهب وامتدا
وجم لك المرعى وأذعنت الصوى ... ولم تفتقد ظلاً ظليلاً ولا وردا
إذا أنت شافهت الديار بطيبة ... وجئت بها القبر المقدس واللحدا
وآنست نوراً من جناب محمد ... يجلي القلوب الغلف والأعين الرمدا
فنب عن بعيد الدار في ذلك الحمى ... وأذر به دمعاً وعفر به خدا
وقل يا رسول الله عبد تقاصرت ... خطاه وأضحى من أحبته فردا
ولم يستطع من بعد ما بعد المدى ... سوى لوعة تعتاد أو مدحة تهدى
تداركه يا غوث العباد برحمة ... فجودك ما أجدى وكفك ما أندى
أجار بك الله العباد من الردى ... وبوأهم ظلاً من الأمن ممتدا
حمى دينك الدنيا وأقطعك الرضى ... وتوجك العليا وألبسك الحمدا
وطهر منك القلب لما استخضه ... فجلله نوراً وأوسعه رشدا
دعاه فما ولى، هداه فما غوى ... سقاه فما يظما، جلاه فما يصدا
تقدمت مختاراً، تأخرت مبعثاً ... فقد شملت علياؤك القبل والبعدا
وعلة هذا الكون أنت، وكل ما ... أعاد فأنت القصد فيه وما أبدا
وهل هوإلا مظهر أنت سره ... ليمتاز في الخلق المكب من الاهدى
ففي عالم الأسرار ذاتك تجتلي ... ملامح نور لاح للطور فانهدا
وفي عالم الحس اغتديت مبوأ ... لتشفي من استشفى وتهدي من استهدى
فما كنت لولا أن ثبت هداية ... من الله مثل الخلق رسماً ولا حدا
فماذا عسى يثني عليك مقصر ... ولم يأل فيك الذكر مدحاً ولا حمدا
بماذا عسى يجزيك هاو على شفاً ... من النار قد أوردته بعدها الخلدا
عليك صلاة الله يا كاشف العمى ... ومذهب ليل الروع وهو قد اربدا
(١) ق: جنانه.