ولكنه جهد المقل بلغته ... وقد أوضح الأعذار من بلغ الجهدا وقلت أخاطب السلطان الملك الكبير العالم أبا عنان على أثر انصرافه من بابه رحمه الله تعالى:
أبدى لداعي الفوز وجه منيب ... وأفاق من عذل ومن تأنيب
كلف الجنان إذا جرى ذكر الحمى ... والبان حن له حنين النيب
والنفس لا تنفك تكلف بالهوى ... والشيب يلحظها بعين رقيب
رحل الصبا فطرحت في أعقابه ... ما كان من غزل ومن تشبيب
أترى التغزل بعد أن ظعن الصبا ... شأني الغداة أوالنسيب نسيبي
أنى لمثلي بالهوى من بعد ما ... للوخط في الفودين أي دبيب
لبس البياض وحل ذروة منبر ... مني ووالى الوعظ فعل خطيب
قد كان يسترني ظلام شبيبتي ... والآن يفضحني صباح مشيبي
وإذا الجديدان استجدا أبليا ... من لبسة الأعمار كل قشيب
سلني عن الدهر الخؤون وأهله ... تسل المهلب عن حروب شبيب
متقلب الحالات فاخبر تقله ... مهما أعدت يداً إلى تقليب
فكل الأمور إذا اعترتك لربها ... ما ضاق لطف الرب عن مربوب
قد يخبأ المحبوب في مكروهها ... من يخبأ المكروه في المحبوب
واصبر على مضض الليالي إنها ... لحوامل سيلدن كل عجيب
واقتنع بحظ لم تنله بحيلة ... ما كل رام سهمه بمصيب
يقع الحريص على الردى ولكم غدا ... ترك التسبب أنفع التسبيب
من رام نيل الشيء قبل أوانه ... رام انتقال يلملم وعسيب
فإذا جعلت الصبر مفزع معضل ... عاجلت علته بطب طبيب
وإذا استعنت على الزمان بفارس (١) ... لبى نداءك منه خير مجيب
(١) فارس هو السلطان أبو عنان.