للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حافظاً بلسان القوم، ويقال تلمشان، وهو أيضاً مركّب من " تلم " (١) ومعناه لها، وشان أي لها شأن، وهي مدينة عريقة في التمدن، لذيذة الهواء، عذبة الماء، كريمة المنبت، اقتعدت بسفح جبل، ودوين (٢) رأسه بسيط أطول من شرق إلى غرب، عروساً فوق منصّة، والشماريخ مشرفة عليها إشراف التاج على الجبين ويطل منها (٣) على فحص أفيح معد للفلاحة تشق ظهوره الأسلحة عن مثل أسنمة المهاري، وتبقر في بطونه عند تدميث الغمائم بطون العذارى (٤) ، وبها للملك قصور زاهرات اشتملت على المصانع الفائقة، والصروح الشاهقة، والبساتين الرائقة، ممّا زخرفت عروشه، ونمقت غروسه، ونوسبت أطواله وعروضه، فأزرى بالخورنق، وأخجل الرصافة، وعبث بالسّدير. وتنصبّ إليها من عل أنهار من ماء غير آسن، تتجاذبه أيدي المذانب والأسراب المكفورة (٥) خلالها، ثم ترسله بالمساجد والمدارس والسقايات بالقصور وعلية الدور والحمامات، فيفعم الصهاريج، ويفهق الحياض، ويسقي ريعه (٦) خارجها مغارس الشجر ومناب الحب، فهي التي شحرت الألباب رواء، وأصبت النّهى جمالاً (٧) ، ووجد المادحون فيها المقال فأطالوا وأطابوا، إلى أن قال: فأنا أنشد ساكنها قول ابن خفاجة لاستحقاقها إيّاه عندي (٨) :

ما جنّة الخلد إلا في منازلكم ... وهذه كنت لو خيّرت أختار


(١) البغية: تل.
(٢) البغية: ودون.
(٣) البغية: تطل منه.
(٤) البغية: العدارى. والعذارى: الأراضي التي لم توطأ.
(٥) المكفورة: المستورة.
(٦) البغية: بساتينها.
(٧) جمالاً: سقطت من البغية.
(٨) ديوان ابن خفاجة: ٣٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>