لا تتّقوا بعدها أن تدخلوا سقراً ... فليس تدخل بعد الجنّة النار وتوسطت قطراً ذا كورٍ عديدة تعمرها أمشاج البربر والعرب، مريعة الجنبات، منجبة للحيوان والنبات، كريمة الفلاحة، زاكية الإصابة، فربما انتهت في الزّوج الواحد منها إلى أربعمائة مد كبير؛ ثم أطال في ذلك ابن خلدون المذكور بما يوقف عليه في الكتاب المذكور.
وممّا يُنسب للسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى في وصفها ما صورته: تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف، ووضعت في موضع شريف، كأنّها ملك على رأسه تاجه، وحواليه من الدوحات حشمه وأعلاجه، عبّادها يدها وكهفها كفها، وزينتها زيانها، وعينها أعيانها، هواها المقصور بها فريد، وهواؤها الممدود صحيح عتيد، وماؤها برود صريد، حجبتها أيدي القدرة عن الجنوب، فلا نحول فيها ولا شحوب؛ خزانة زرع، ومسرح ضرع، فواكهها عديدة الأنواع، ومتاجرها فريدة الانتفاع، وبرانسها رقاق رفاع، إلاّ أنّها بسبب حب الملوك، مطمعة للملوك، ومن أجل جمعها الصّيد في جوف الفرا، مغلوبة للأمرا، أهلها ليست عندهم الراحة، إلاّ فيما قبضت عليه الراحة، ولا فلاحة، إلا لمن أقام رسم الفلاحة، ليس بها لسع العقارب، إلا فيما بين الأقارب، ولا شطارة، إلا فيمن ارتكب الخطارة؛ انتهى.
وقد كنت بالمغرب نويت أن أجمع في شأنها كتاباً ممتعاً أسميّه بأنواء نيسان في أنباء تلمسان وكتبت بعضه، ثم حالت بيني وبين ذلك العزم الأقدار، وارتحلت منها إلى حضرة فاس حيث ملك الأشراف ممتدّ الرّواق، فشغلت بأمور الإمامة والفتوى والخطابة وغيرها، ثم ارتحلت بنية الحجاز، وجعلت إلى الحقيقة المجاز، وها أنا ذا إلى الآن في البلاد المصرية، وفي علم الله تعالى ما لا نعلم، والتسليم لأحكام الأقدار أسلم، والله تعالى يختم لنا بالحسنى بجاه نبيّه ومصطفاه صلى الله عليه وسلّم.