للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزداد حلاه على مر الليالي رفعة، ترد عليه الوفود وذوو الحاجات من الآفاق، ويخبر بالوقائع والغيوب، إلى أن وشى به بعض علماء الظاهر عند يعقوب المنصور، وقال له: إنّا نخاف منه على دولتكم، فإن له شبهاً بالإمام المهدي، وأتباعه كثيرون بكل بلد، فوقع في قلبه وأهمّه شأنه، فبعث إليه في القدوم عليه ليختبره، وكتب لصاحب بجاية بالوصيّة به والاعتناء، وأن يحمل خير محمل، فلمّا أخذ في السفر شق على أصحابه وتغيروا وتكلّموا (١) ، فسكتهم وقال لهم: إن منيتي قربت، وبغير هذا المكان قدرت، ولا بد لي منه، وأ، اشيخ كبير ضعيف (٢) ، لا قدرة لي على الحركة، فبعث الله تعالى من يحملني إليه برفق، ويسوقني إليه أحسن سوق، وأنا لا أرى السلطان ولا يراني، فطابت نفوسهم، وذهب بوسهم، وعلموا أنه من كراماته، فارتحلوا به على أحسن حال، حتى وطئوا به حوز تلمسان، فبدت له رابطة العباد، فقال لأصحابه: ما أصلحه للرقاد، فمرض مرض موته، فلمّا وصل وادي يسر اشتد به المرض، ونزلوا به هناك، فكان آخر كلامه: الله الحق.

وتوفّي رحمه الله تعالى سنة أربع وتسعين وخمسمائة، فحمل إلى العباد، مدفن الأولياء الأوتاد، وسمع أهل تلمسان بجنازته، فكانت من المشاهد العظيمة، والمحافل الكريمة، وفي ذلك اليوم تاب الشيخ أبو علي عمر الحباك، وعاقب الله تعالى السلطان، فمات بعده بسنة أو أقل.

ونقل المعتنون بأخباره أن الدعاء عند قبره مستجاب، وجربه جماعة، وقد زرته مئين من المرات، ودعوت الله تعالى عنده بما أرجو قبوله.

وقد أطال في ترجمته التادلي في كتابه " التشوّف لرجال التصوّف " (٣) وقد


(١) وتكلموا: سقطت من نيل الابتهاج.
(٢) نيل الابتهاج: وقد كبرت وضعفت.
(٣) انظر هذا الكتاب ص: ٣١٦ - ٣٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>