ولو مكثوا به دهراً طويلاً ... لما ذكروا الطعام ولا الشرابا
وطاردت الصّوار بكلّ ضار ... كما أتبعت عفريتاً شهابا
ضربت به على الآذان منها ... فلم تسطع حراكاً واضطرابا
ومعصوب الجبين بتاج روقٍ ... يروع خواره الأسد الغضابا
تعرّف أنّ تحت الأرض ثوراً ... فرام بأن يشقّ له الترابا
وكلت به هضيم الكشح أجنى ... حديد الناب تحسبها حرابا
تباعد مجمع الشدقين منه ... وسال الموت بينهما لعابا
فأثبته كوحي الطرف حتى ... توثق منه جازره غلابا
وصاح به الصّوار وقد رآه ... حبيس الكلب قد منع الإيابا
" فغض الطرف إنّك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا " (١)
وأرسلت الجياد إلى استباق ... كأنّ بوارقاً شقّت سحابا
فمن وردٍ أقبّ ومن كميتٍ ... وأشهب يلهب الأرض التهابا
وساقية العماد إذا أطلّت ... إلى الأدواح تنساب انسيابا
تحوم بها العصيّ فراش ليل ... تروم بسمعه منه اقترابا
تجفّ بها خيول القوم منّا ... فترسل نحوها الجرد العرابا
عجائب أبدعت علياك فيها ... ومثلك يبدع الأمر العجابا
محمد لا عدمت الدهر حمداً ... فقد أحسنت في الملك المنابا
وزكّى نفسك الرحمن لمّا ... رآك ملكت للمجد النّصابا
تداركت البلاد ومن عليها ... فأمّنت التنائف والشعابا
لقد أوليتنا بيض الأيادي ... لقد طوّقتنا المنن الرغابا
روت عنك العوالي في المعالي ... حديث الفخر حقّاً لا انتسابا
ستفتح من بلاد الشرك أرضاً ... قد اعتقلت عقائلها اغتصابا
(١) بيت لجرير بن الخطفي.