للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسماعكم لمواعظ الأيام، واعتبروا بأحاديثها اعتبار أولي النهى والأحلام، وأحضروا لفهم موادّها أوعى القلوب وأصحّ الأفهام، وانظروا آثارها بأعين المستيقظين ولا تنظروا بأعين النّوام، ولا تخدعنكم هذه الدنيا الدنية بتهاويل الأباطيل وأضغاث الأحلام، ولا تنسينكم خدعها المموّهة وخيالاتها الممثلة ما خلا من مقالاتها في الأنام، فهي دار انتياب النوائب، ومصاب المصائب، وحدوث الحوادث وإلمام الآلام؛ دار صفوها أكدار، وسلمها حرب تدار، وأمنها خوف وحذار، ونظمها تفرق وانتشار، واتصالها انقطاع وانصرام، ووجودها فناء وانعدام، وبناؤها تضعضع وانهدام، ينادي كل يوم بناديها منادي الحمام، فلا قرار بهذه الغرّارة (١) ولا مقام، ولا بقاء لساكنيها ولا دوام.

فبئست الدار داراً لا تدارى، ولا تقيل لعاثرها عثارا، ولا تقبل لمعتذر اعتذارا، ولا تقي من جورها حليفاً ولا جارا، وليس لها من عهد ولا ذمام، كم فتكت بقوم غافلين عنها نيام، كم نازلت بنوازلها من قباب وخيام، كم بدلت من سلامة بداء ومن صحة بسقام، كم رمت أغراض القلوب بمصميات (٢) السّهام، كم جردت في البرايا للمنايا من حسام، كم بددت بأكف النائبات الناهبات من عطايا جسام، كم أبادت طوارق حوادثها من شيخ وكهل وغلام. لا تبقي على أحد، ولا ترثي لوالد ولا ولد، ولا تخلد سروراً في خلد، ولا يمتد فيها لآمل أمد، بينا يقال قد وجد، إذ قيل قد فقد. بعداً لها قد طبعت على نكد وكمد، فالفرح فيها ترح، والحبرة عبرة، والضحك والابتسام، بكاء وأدمع سجام. تفرق الأحبة بعد اجتماعهم، وتسكن الوحشة مؤنس رباعهم، وتبيح بالحمام حمى الأعزّة فلا سبيل إلى امتناعهم، وتستحثّ ركائب الخلائق على اختلاف أنواعهم، إلى مصيرهم إلى الله عزّ وجل وارتجاعهم،


(١) ق: القرارة.
(٢) ق: بمزاياها بمصميات.

<<  <  ج: ص:  >  >>