للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرج قد أحدق به الوادي، والشمس قد مالت عليه للغروب، فقال لي أبو الحسين: بالله صف يومنا وحسن (١) هذا المنظر، فقلت: لا أصفه أو تصفه أنت، فقال: ولك مني ذلك، فأفكر كلٌّ منّا على انفراد بعدما ذكرنا ما نصف نثراً، فقال أبو الحسين الوقّشي:

لله يوم بمرج الخزّ طاب لنا ... فيه النعيم بحيث الروض والنّهر

وللإوزّ على أرجائه لعبٌ ... إذا جرت بدّدت ما بيننا الدّرر

والشمس تجنح نحو البين مائلةً ... كأنّ عاشقها في الغرب ينتظر

والكأس جائلةٌ باللبّ حائرةٌ ... وكلّنا غفلات الدهر نبتدر قال: فقلت:

ألا حبّذا يومٌ ظفرنا بطيبه ... بأكناف مرج الخزّ والنهر يبسم

وقد مرحت في الإوزّ، وأرسلت ... على سندسٍ درّاً به يتنظّم

ومدّ به للشمس فهو كأنّه ... لثامٌ لها ملقىً من النّور معصم

أدرنا عليه أكؤساً بعثت به ... من الأنس ميتاً عاد وهو يكلّم

غدونا إليه صامتين سكينةً ... فرحنا وكلٌّ بالهوى يترنّم فأظهر كلّ منّا لصاحبه استحسان ما قال تنشيطاً وتتميماً للمسرّة، ثم قلنا للمسنّ: ما عندك أنت ما تعارض (٢) به هاتين القطعتين؟ قال: بهذا، ورفع رجله وحبق حبقة فرقعت (٣) منها أرجاؤه، فقال له أبو الحسين: ما هذا يا شيخ السوء؟ فقال: الطلاق له لازم (٤) إن لم تكن أوزن من شعركما، وأطيب رائحة، وأغنّ صوتاً، وأطرب معنى، فضحكنا منه اشد ضحك، وجعلنا نهتز غاية


(١) ق: في حسن.
(٢) ق ط ج: بما تعارض.
(٣) ق ط ج: قرقعت.
(٤) ك: يلزمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>