للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد أحدق به ليل، كما أحدق بربوةٍ سيل، ليل دامس، ونهار شامس، وللذّبال تألّق كنضنضة الحيات، أو إشارة السبّابات في التحيّات، قد أترعت من السليط كؤوسها، ووصلت بمحاجن الحديد رؤوسها، ونيطت بسلاسل كالجذوع القائمة، أو كالثعابين العائمة، عصبت بها تفاح من الصّفر، كاللّفّاح الصّفر: بولغ في صقلها وجلائها، حتى بهرت بحسنها ولألائها، كأنّها جليت باللهب، وأشربت ماء الذهب، إن سامتّها طولاً رأيت منها سبائك عسجد، أو قلائد زبرجد، وإن جئتها (١) عرضاً رأيت منها أفلاكاً ولكنّها غير دائرة، ونجوماً ولكنّها ليست بسائرة، تتعلّق تعلّق القرط من الذّفرى، وتبسط شعاعها بسط الأديم حين يفرى، والشمع قد رفعت على المنار رفع البنود، وعرضت عليها عرض الجنود، ليجتلي طلاقة روائها القريب والبعيد، ويستوي في هداية ضيائها الشقي والسعيد، وقد قوبل منها مبيضّ بمحمرّ، وعروض مخضرّ بمصفرّ، تضحك ببكائها وتبكي بضحكها، وتهلك بحياتها وتحيي بهلكها، والطيب تفغم أفواحه، وتتنسّم أرواحه، وقتار الألنجوج والند، يسترجع من روح الحياة ما ندّ، وكلّما تصاعد وهو محاصر، أطال من العمر ما كان تقاصر، في صفوف (٢) مجامر، ككعوب مقامر، وظهور القباب مؤللة، وبطونها مهللة، كأنّها تيجان، رصّع فيها ياقوت ومرجان، قد قوس محرابها أحكم تقويس، ووشم بمثل ريش الطواويس، حتى كأنّه بالمجرّة مقرطق، وبقوس قزح ممنطق، وكأن اللازورد حول وشومه، وبين رسومه، نتف من قوادم الحمام، أو كسف من ظلل الغمام، والناس أخياف في دواعيهم، وأوزاع في أغراضهم ومراميهم، بين ركّع وسجّد، وأيقاظ وهجّد، ومزدحم على الرقاب يتخطاها، ومقتحم على الظهور يتمطّاها،


(١) ك: أتيتها.
(٢) ق: الحياة ما هو مزجوج وأقيمت في صفوف (وهو مضطرب ناقص) .

<<  <  ج: ص:  >  >>