للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحبير أيام المنصور والإنشاء، وأشعر بدولته الأفراح والانتشاء، ولبس العزة ضافية البرود، وورد بها النعمة صافية الورود (١) ، وامتطى من جياد التوجيه، وأعتق من لاحق والوجيه (٢) ، وتمادى طلقه، ولا أحد يلحقه، إلى أيام المظفر فمشى على سننه، وتمادى السعد يترنم على فننه، إلى أن قتل المظفّر صهره عيسى بن القطاع، صاحب دولته وأميرها المطاع، وكان أبو مروان قديم الاصطناع له والانقطاع، فاتّهم معه، وكاد أن يذوق حمامه ومصرعه (٣) ، إلا أن إحسانه شفع، وبيانه نفع ودفع (٤) ، فحطّ عن تلك الرتب، وحمل إلى طرطوشة على القتب، فبقي هنالك معتقلاً في أبراجها نائي المنتهى (٥) ، كأنما يناجي السّها، قد بعد ساكنه عن الأنيس، وقعد من النجم بمنزلة الجليس، تمرّ الطيور دونه ولا تجوزه، ويرى منه الثرى ولا يكاد يحوزه، فبقي فيه دهراً لا يرتقي إليه راق، ولا يرجى لبثّه راق، إلى أن أخرج منه إلى ثراه، واستراح مما عراه، فمن بديع نظمه قوله يصف المعقل (٦) ، الذي فيه اعتقل:

يأوي إليه كلّ أعور ناعق (٧) ... وتهبّ فيه كلّ ريح صرصر

ويكاد من يرقى إليه مرّة ... من عمره يشكو انقطاع الأبهر ودخل ليلة على المنصور (٨) والمنصور قد اتكأ وارتفق، وتحلى بمجلسه ذلك الأفق، والدّنيا بمجلسه ذلك مسوقة، وأحاديث الأماني به منسوقة، فأمره


(١) ك: ولبس العزة مدة ضافية البرود.
(٢) لاحق والوجيه: فحلان من فحول الخيل.
(٣) المطمح: أن يذوق الحمام فيصرعه.
(٤) ق ودوزي: وبيانه منع ودفع؛ وفي نسخة المطمح " صنع " وهو مصحف.
(٥) المطمح: فات المنتهى.
(٦) ك: المعتقل.
(٧) المطمح: ناعب.
(٨) على المنصور: سقطت من ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>