للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنا الوزير أبو محمد ابن مالك، وجماعة من أعيان تلك الممالك (١) ، فحللنا بضيعة لم ينحت المحل أثلها، ولم ترمق العيون مثلها، وجلنا بها في أكناف، جنّاتٍ ألفاف، فما شئت من دوحة لفّاء، وغصن يميس كعطفي هيفاء، وماء ينساب في جداوله، وزهرٍ يضمّخ بالمسك راحة متناوله؛ ولما قضينا من تلك الحدائق أرباً، وافتضضنا منها أتراباً عرباً، ملنا إلى موضع المقيل، وزلنا عن منازه تزري بمنازه جذيمة مع مالك وعقيل، وعند وصولنا بدا لي من أحد الأصحاب تقصيرّ في المبرّة، عرض لي منه تكدير لتلك العين (٢) الثّرة، فأظهرت التثاقل أكثر ذلك اليوم، ثم عدلت عنهم إلى الاضطجاع والنوم، فما استيقظت إلا والسماء قد نسخ صحوها، وغيّم جوّها، والغمام منهمل، والثرى من سقياه ثمل، فبسطني بتحفّيه، وأبهجني ببرٍّ له لم يزل يتممه ويوفيه، وأنشدني:

يومٌ تجهّم فيه الأفق وانتثرت ... مدامع الغيث في خدّ الثرى هملا

رأى وجومك فاربدّت (٣) طلاقته ... مضاهياً لك في الأخلاق ممتثلا [٢١ - من ترجمة ابن أضحى]

وقال في ترجمة الوزير القاضي أبي الحسن ابن أضحى، ما نصّه (٤) : وكان لصاحب البلد الذي كان يتولّى القضاء به ابنٌ من أحسن الناس صورة، وكانت محاسن الأفعال والأقوال عليه مقصورة، مع ما شئت من لسن، وصت حسن، وعفاف، واختلاط بالبهاء (٥) والتفاف، فحملنا إلى إحدى ضياعه بقرب


(١) القلائد: المسالك.
(٢) دوزي: العيون.
(٣) ق ك ج ط: فارتدت.
(٤) القلائد: ٢١٧.
(٥) دوزي: بالنبهاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>