للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعقب سيل أعاد الديار آثاراً، وقضى عليها وهياً وانتثاراً:

ألا عرّس (١) الإخوان في ساحة البلى ... وما رفعوا غير القبور قبابا

فدمعٌ كما سحّ الغمام ولوعةٌ ... كما أضرمت ريح الشمال شهابا

إذا استوقفتني في الدّيار عشيّةٌ ... تلدّدت (٢) فيها جيئةً وذهابا

أكرّ بطرفي في معاهد فتيةٍ ... ثكلتهم بيض الوجوه شبابا

فطال وقوفي بين وجدٍ وفرقةٍ (٣) ... أنادي رسوماً لا تحير جوابا

وأمحو جميل الصّبر طوراً بعبرة ... أخطّ بها في صفحتيّ كتابا

وقد درست أجسامهم وديارهم ... فلم أر إلاّ أعظماً ويبابا

وحسبي شجواً أن أرى الدار بلقعاً ... خلاء وأشلاء الصّديق ترابا ولقد أحلّني بهذه الديار المندوبة وهي كعهدها في جودة مبناها، وعودة سناها، في ليلة اكتحلنا ظلامها إثمداً، ومحونا بها من نفوسنا كمداً، ولم يزل ذلك الأنس يبسطه، والسرور ينشطه، حتى نشر لي ما طواه، وبثّ مكتوم لوعته وجواه، وأعلمني بلياليه فيها مع أترابه، وما قضى بها من أطرابه.

انتهى ما وقع عليه اختياري من كلام أبي نصر الفتح بن عبيد الله رحمه الله تعالى في وصف بعض منتزهات الأندلس البديعة، ورياضها المونقة المريعة.

[٢٣ - من رسالة للفتح]

وما أحسن رسالة له مختصرة كتبها مهنئاً بعض ملوك الأندلس بما منحه الله تعالى من التمكين الذي أيده الله به ونصره، وقد جوّد أوصافه، واستطرد منها إلى ذكر الناصر وولده الحكم اللذين عمرا الزهراء والرّصافة، ونصّها:


(١) ق ك ج ط: ألا عرض.
(٢) ق ك ج ط: تلذذت.
(٣) القلائد: وزفرة. دوزي: وحرقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>