والشّعر لا يسلس إلاّ على ... فراغ قلبٍ واتّساع الخلق
فاقنع بهذا القول من شاعرٍ ... يرضى من الحظّ بأدنى العنق
فضلك قد بان عليه كما ... بان لأهل الأرض ضوء الشّفق
أمّا ذمام الودّ منّي لكم ... فهو من المحتوم فيما سبق ولم يكن له علم بالحديث يعرف به صحيحه من معتلّه، ولا يفرق بين مستقيمه ومختلّه، وكان غرضه الإجازة، وأكثر رواياته غير مستجازة، قال ابن وضاح: قال إبراهيم بن المنذر: أتى صاحبكم الأندلس - يعني عبد الملك هذا - بغرارة مملوءة، فقال لي: هذا علمك، قلت له: نعم، ما قرأ عليّ منه حرفاً ولا قرأته عليه. وحكي أنّه قال في دخوله المشرق وحضر مجلس بعض الأكابر فازداره من رآه:
لا تنظرنّ إلى جسمي وقلّته ... وانظر لصدري وما يحوي من السنن
فربّ ذي منظر من غير معرفة ... وربّ من تزدريه العين ذو فطن
وربّ لؤلؤةٍ في عين مزبلةٍ ... لم يلق بالٌ لها إلاّ إلى زمن انتهى ما في المطمح الصغير.
قلت: أمّا ما ذكره من عدم عرفته بالحديث فهو غير مسلّم، وقد نقل عنه غير واحد من جهابذة المحدّثين، نعم لأهل الأندلس غرائب لم يعرفها كثير من المحدثين، حتى إن في شفاء عياض أحاديث لم يعرف أهل المشرق النّقّاد مخرجها، مع اعترافهم بجلالة حفّاظ الأندلس الذين نقلوها كبقيّ ابن مخلد وابن حبيب وغيرهما على ما هو معلوم. وأمّا ما ذكره عنه في الإجازة بما في الغرارة فذلك على مذهب من يرى الإجازة، وهو مذهب مستفيض، واعتراض من اعترض عليه إنّما هو بناء على القول بمنع الإجازة، فاعلم ذلك، والله سبحانه الموفّق.