للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصيهم بالبيع، وإلا فلا، فنقل جوابه إلى الخليفة، فأظهر الزهد في شراء الدار طمعاً أن يتوخّى رغبته (١) فيها، وخاف القاضي أن تنبعث منه عزيمة تلحق الأيتام سورتها، فأمر وصيّ الأيتام بنقض الدار وبيع أنقاضها، ففعل ذلك وباع الأنقاض، فكانت لها قيمة أكثر ممّا قومت به للسلطان، فاتصل الخبر به، فعز عليه خرابها، وأمر بتوقيف الوصي على ما أحدثه فيها، فأحال الوصي على القاضي أنّه أمره بذلك، فأرسل عند ذلك للقاضي منذر، وقال له: أنت أمرت بنقض دار أخي نجدة فقال له: نعم، فقال: وما دعاك إلى ذلك قال: أخذت فيها بقول الله تعالى {أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها، وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصباً} (الكهف: ٧٩) مقوّموك لم يقدروها (٢) إلاّ بكذا، وبذلك تعلق وهمك، فقد نضّ (٣) في أنقاضها أكثر من ذلك، وبقيت القاعة والحمّام فضلاً، ونظر الله تعالى للأيتام، فصبر الخليفة عبد الرحمن على ما أتى من ذلك، وقال: نحن أولى من انقاد إلى الحق، فجزاك الله تعالى عنّا وعن أمانتك خيراً.

قالوا (٤) : وكان على متانته وجزالته حسن الخلق كثير الدّعابة، فربما ساء ظنّ من لا يعرفه، حتى إذا رام أن يصيب من دينه شعرة ثار له ثورة الأسد الضاري، فمن ذلك ما حدّث به سعيدٌ ابنه قال: قعدنا ليلة من ليالي شهر رمضان المعظّم مع أبينا للإفطار بداره البرانية، فإذا سائل يقول (٥) : أطعمونا من عشائكم أطعمكم الله تعالى من ثمار الجنّة، هذه الليلة، ويكثر من ذلك، فقال القاضي: إن استجيب لهذا السائل فيكم فليس يصبح منا واحد.


(١) ط: رغبتهم.
(٢) المطمح: فمقومك لم يقدرها.
(٣) نض: تحصل، من الناض أي المال العين.
(٤) المطمح: ٤٤.
(٥) المطمح: يا أهل هذه الدار الصالح أهلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>