للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى عنه قاسم بن أحمد الجهني (١) أنّه ركب يوماً لحيازة أرض محبّسة في ركبٍ من وجوه الفقهاء وأهل العدالة فيهم أبو إبراهيم اللؤلؤي ونظراؤه، قال: فسرنا نقفوه وهو أمامنا، وأمامه أمناؤه يحملون خرائطه وذووه عليهم السكينة والوقار، وكانت القضاة حينئذ لا تراكب ولا تماشي، فعرض له في بعض الطريق كلاب مع مستوحمة، والكلاب تلعق هنها وتدور حولها، فوقف وصرف وجهه إلينا وقال: ترون يا أصحابنا ما أبرّ الكلاب بالهن الذي تلعقه وتكرمه، ونحن لا نفعل ذلك؛ ثم لوى عنان دابته وقد أضحكنا، وبقينا متعجبين من هزله.

وحضر (٢) عند الحكم المستنصر بالله يوماً في خلوة له في بستان الزهراء على بركة ماء طافحة، وسط روضة نافحة، في يوم شديد الوهج، وذلك إثر منصرفه من صلاة الجمعة، فشكا إلى الخليفة من وهج الحرّ الجهد، وبث منه ما تجاوز الحدّ، فأمره بخلع ثيابه والتخفيف عن جسمه، ففعل ولم يطف ذلك ما به، فقال له: الصواب أن تنغمس في وسط الصهريج انغماسة يبرد بها جسمك، وليس مع الخليفة إلاّ الحاجب جعفر الخادم الصقلبي أمين الخليفة الحكم، لا رابع لهم، فكأنّه استحيا من ذلك وانقض عنه وقاراً، وأقصر عنه إقصاراً، فأمر الخليفة حاجبه جعفراً بسبقه إلى النزول في الصهريج ليسهل عليه الأمر فيه، فبادر جعفر لذلك، وألقى بنفسه في الصهريج، وكان يحسن السّباحة، فجعل يجول يميناً وشمالاً فلم يسع القاضي إلا إنفاذ أمر الخليفة، فقام وألقى بنفسه خلف جعفر، ولاذ بالقعود في درج الصهريج، وتدرّج فيه بعض تدريج، ولم ينبسط في السباحة، وجعفر يمر مصعّداً ومصوباً، فدسّه الحكم على القاضي، وحمله على مساجلته في العوم، فهو يعجّزه في إخلاده إلى القعود، ويعابثه


(١) المطمح: ٤٤.
(٢) النص في المطمح: ٤٤ والمرقبة العليا: ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>