للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإلقاء الماء عليه، والإشارة بالجذب إليه، وهو لا ينبعث معه، ولا يفارق موضعه، إلى أن كلّمه الحكم وقال له: ما لك لا تساعد الحاجب في فعله وتتقيّل (١) صنعه فمن أجلك نزل، وبسببك تبذّل، فقال له: يا سيدي يا أمير المؤمنين، الحاجب سلمه الله تعالى لا هوجل معه، وأنا بهذا الهوجل الذي معي يعقلني ويمنعني من أن أجول معه مجاله - يعني أن الحاجب خصيّ لا هوجل معه، والهوجل: الذّكر - فاستفرغ الحكم ضحكاً من نادرته ولطيف تعريضه لجعفر، وخجل جعفر من قوله، وسبّه سب الأشراف، وخرجا من الماء، وأمر لهما الخليفة بخلع، ووصلهما بصلات سنية تشاكل كل واحد منهما.

وحكي أن الخليفة الحكم قال له يوماً (٢) : لقد بلغني أنّك لا تجتهد للأيتام، وأنّك تقدم لهم أوصياء سوء يأكلون أموالهم، فقال: نعم، وإن أمكنهم نيك أمهاتهم لم يعفّوا عنهنّ، قال: وكيف تقدم مثل هؤلاء قال: لست أجد غيرهم ولكن أحلني على اللؤلؤي وأبي إبراهيم ومثل هؤلاء، فإن أبوا أجبرتهم بالسّوط والسجن، ثم لا تسمع إلاّ خيراً.

وقال القاضي منذر (٣) : أتيت وأبو جعفر ابن النحاس في مجلسه بمصر يملي في أخبار الشعراء شعر قيس المجنون حيث يقول:

خليليّ هل بالشام عينٌ حزينةٌ ... تبكّي على نجدٍ لعلّي أعينها

قد أسلمها الباكون إلاّ حمامةً ... مطوّقةً باتت وبات قرينها

تجاوبها أخرى على خيزرانةٍ ... يكاد يدنّيها من الأرض لينها فقلت له: يا أبا جعفر، ماذا، أعزك الله تعالى، باتا يصنعان فقال لي: وكيف تقول أنت يا أندلسي فقلت له: بانت وبان قرينها، فسكت، وما


(١) ق ط: وتتقبل.
(٢) المطمح: ٤٥ والمرقبة العليا: ٧٣.
(٣) طبقات الزبيدي: ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>