للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان إماماً علاّمة ذكيّاً كثير الفنون منقطع القرين رأساً في القراءات، حافظاً للحديث بصيراً بالعربية واسع العلم، وقد سارت الركبان بقصيدته حرز الأماني و " عقيلة أتراب الفضائل " (١) اللتين في القراءات والرسم، وحفظهما خلق لا يحصون، وخضع لهما فحول الشعراء وكبار البلغاء وحذّاق القراء، ولقد أوجز وسهّل الصعب.

وممّن روى عنه أبو الحسن ابن خيرة، ووصفه من قوّة الحفظ بأمر معجب، وممّن قرأ عليه بالروايات الإمام الشهير محمد بن عمر القرطبي. وتصدّر الشاطبي، رحمه الله تعالى، للإقراء بالمدرسة الفاضلية، وكان موصوفاً بالزهد والعبادة والانقطاع. وقبره بالقرافة يزار، وترجى استجابة الدعاء عنده، وقد زرته مراراً، ودعوت الله بما أرجو قبوله. وترك أولاداً: منهم أبو عبد الله محمد، عاس نحو ثمانين سنة.

وقال السبكي في حق الإمام الشاطبي: إنّه كان قويّ الحافظة، واسع المحفوظ، كثير الفنون فقيهاً مقرئاً محدّثاً نحويّاً زاهداً عابداً ناسكاً يتوقد ذكاء؛ قال السخاوي (٢) : أقطع أنّه كان مكاشفاً، وأنّه سأل الله كتمان حاله، ما كان أحد يعلم أي شيء هو، انتهى.

وترجمته واسعة، رحمه الله تعالى ونفعنا به آمين.

وقال ابن خلّكان: ولقد أبدع كل الإبداع (٣) في حرز الأماني وهي عمدة قرّاء هذا الزمان في نقلهم، فقلّ من يشتغل بالقراءات إلاّ ويقدّم حفظها ومعرفتها، وهي مشتملة على رموز عجيبة وإشارات لطيفة، وما أظنّه سبق إلى أسلوبها. وقد روي عنه أنّه كان يقول: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلاّ وينفعه


(١) سماها ابن عبد الملك: " عقيلة القصائد في أسنى المقاصد ".
(٢) هو تلميذه علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد بن عبد الغالب الهمداني السخاوي.
(٣) هذا نص ابن خلكان، وفي ق ط ج: إنه أبدع في حرز ... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>