للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه كان ملكاً أرسله الله ليعيد الأرض ذلك العصر الذهبي القديم. وكان المسلمون منحرفين عنه بتأثير أبي القاسم بن حمود الذي كان يوزع الأموال على الناس لعله يميلهم عن أسطفان، إذ كان هذا قد صادق منافساً لابن حمود يسمى القائد (ابن السديد) وهو من أغنياء المسلمين (١) .

ومهما يكن فقد هدأت النفوس أيام غليالم الثاني حتى أصبح عهده مضرب المثل في الهدوء والسكينة. وكان يقال إن غابات صقلية في أيامه أكثر أمناً من المدن في البلاد الأخرى (٢) . وحياة المسلمين في عصره واضحة والفضل في ذلك عائد إلى ابن جبير الذي زار الجزيرة وهو عائد من الحج. ويستفاد مما ذكره هذا الرحالة القدير أن المسلمين كانوا قليلين في مسينة، وانهم فيها من ذوي المهن، أما برم فتحوي الحضريين منهم، وبها يعمرون أكثر مساجدهم، ويقيمون الصلاة بأذن مسموع، ولهم أرباض قد انفردوا بسكنها عن النصارى، والأسواق معمورة بهم، وهم التجار فيها ولا جمعة لهم بسبب الخطبة المحظورة عليهم، ويصلون الأعياد بخطبة ودعاؤهم فيها للعباسي، ولهم بها قاض يرتفعون إليه في أحكامهم، وجامع يجتمعون فيه الصلاة، وأما المساجد فكثيرة لا تحصي وأكثرها محاضر لمعلمي القرآن (٣) .

وقد وجد ابن جبير أن المسلمين في بلرم مقربون إلى غليالم، وأنه كثير الثقة فيهم، فلذلك استعملهم في كثير من الوظائف. وفتياته الذين هم عيون دولته وأهل عمالته في ملكه مسلمون، يصومون ويتصدقون ويفتكون الأسرى (٤) وفي جلفوذ طائفة من المسلمين (٥) ولهم في ثرمة ربض كبير آهل بالمساجد (٦) . وبين بلرم وطرابنش ضياع متصلة ومحارث ومزارع وسكانها كلهم مسلمون. وفي مدينة


(١) OP. Cit. P. ٥١٠
(٢) Freeman؛ Hist. Essays ٣ - ٤٥٩
(٣) ابن جبير ٣٣٢، والمكتبة ص٩٢.
(٤) ابن جبير ص٣٢٥ - ٣٢٦.
(٥) ص٣٢٨.
(٦) ص٣٢٨.

<<  <   >  >>