للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علقمة سوق ومساجد وسكانها كذلك (١) . وفي طرابنش مسلمون ونصارى ولكلا الفريقين مساجد وكنائس وقد رأى المسلمين فيه يعيدون بالطبول والبوقات (٢) ولم ينس ابن جبير أن يسجل اللطف الذي قابله به النصارى ومبادرتهم له ولرفقائه بالسلام ومؤانستهم، ومحضهم النصح لهم إذا اقتضى ذلك، وإغضاءهم على تظاهر المسلمين عند تأديتهم بعض الشعائر الدينية (٣) . ولم يحاول ان يخفي لطف غليالم ودفعه الأجرة عن فقراء المسلمين لأصحاب المراكب التي كانت تقلهم (٤) .

ومن يقرأ كل هذه الحقائق يعجب من قصص أخرى أوردها ابن جبير عن ناس لا يشعرون بالأمن في بيئتهم، ويخافون في أداء العبادة، ولا يستطيعون أن يرفعوا أصواتهم بأنهم مسلمون، حتى ليخيل إليه أن هناك تناقضاً فيما عرفه ابن جبير بالمشاهدة أو بالسماع. والحقيقة ان لا تناقض هنالك فالمسلمون الذين كانوا يتظاهرون بدينهم كانوا قادرين على ذلك في حالتين إما في مدينة يحضر فيها الملك يقوته كبلرم، أو مدينة هم الأكثرية فيها كطرابنش. أما في مثل مسينة حيث هم أقلية بعيدون عن الحماية فمن الطبيعي أن يحذروا جيرانهم في شيء من الخوف. وقد سمع من أحد الوجوه بمسينة قوله: أنتم مدلون بإظهار الإسلام، فائزون بما قصدتم له رابحون إن شاء الله في متجركم، ونحن كاتمون إيماننا، خائفون على أنفسنا، متمسكون بعبادة الله وأداء فرائضه سراً، معتقلون في ملكة كافر قد وضع في أعناقنا ربقة الرق (٥) . وفي هذا قدر كبير من الصحة إذا اعتبرنا المثل الأعلى في فهم الحرية الدينية، وهذا كلام رجل شهد ما مضى من اضطهاد في أيام غليالم الأول فهو يرى أن هذه الحال من الأمن لن تدوم - أما الشكوى التي سمعها ابن جبير من أبي القاسم بن حمود فلا غرابة


(١) ابن جبير: ٣٣٤.
(٢) ص ٣٣٦.
(٣) ص ٣٣٠ - ٣٣١.
(٤) ص ٣٢١.
(٥) ص ٣٢٦، من والمكتبة: ٨٥.

<<  <   >  >>