للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمين بالجزيرة (١) . ومن هذه الحال نستطيع أن نستنتج بأن الهجرة من صقلية لم تكن سهلة ولا كانت السلطات تسمح بها إذ كان عمران صقلية يستدعي ذلك وأكثر منه، أي يتطلب استقدام سكان من الخارج وإعطاءهم بعض الامتيازات لإغرائهم على الهجرة إلى صقلية.

والخلاصة أن المسلمين كانوا في الجزيرة غرباء عن إخوانهم المسلمين في الأقطار الأخرى. وتحت ذمة غيرهم يؤدون الجزية. ولا أمن لهم في أموالهم ولا في حريمهم وأبنائهم (٢) إذا ضعف السلطان عن حمايتهم بل كانت حمايته لهم تزيد من كره أصحاب الأديان الأخرى لهم. هذا حالهم في المدن، أما في القرى والأرياف، فلم يكونوا يرتفعون عن الرقيق بكثير، وكلهم رهائن في يد الملك بصقلية يهدد بهم أمراء المسلمين وملوكهم، مثال ذلك أن عبد المؤمن لما استولى على المهدية قال صاحب صقلية: إن قتل عبد المؤمن أصحابنا بالمهدية قتلنا المسلمين الذين بجزيرة صقلية وأخذنا حرمهم وأموالهم (٣) .

وقد صدقت الأيام تلك الهواجس النفسية التي كانت تسيطر على المسلمين وأيدت مخاوف فلقندو الذي جزع لما بلغته وفاة غليالم الطيب فراح يقول في رسالة لصديقه: " إنني لأرى جموع البرابرة الغاضبين ومدننا الفسيحة وقصورها التي زهت في ظل سلام طويل تميد بالخوف، وقد جرت فيها الدماء ودنسها الشهوات، إنني لأرى بعيني بني وطني فريسة للذبح والأسر، وأرى العدوان واقعاً على العذارى والنساء. وفي مثل هذه الضائقة، أيها الصديق، ماذا ترى يفعل الصقليون؟ إنهم إن اجتمعوا على ملك شجاع مجرب احتفظوا بصقلية وقلورية. إن بلرم لا تزال مكللة بالعز وأسوارها تضم المسيحيين والمسلمين النشطاء فلو أن الشعبين أتحدا في ظل ملك واحد، من أجل سلامتهما، لا تدفعا يصدان البرابرة بأسلحة لا تثني. ولكن إن عاد المسلمون إلى الثورة لشدة ما لحقهم من


(١) المصدر السابق: ٣٤٢ - ٣٤٢ والمكتبة: ١٠٤.
(٢) ابن جبير: ٣٣٢ والمكتبة: ٩٢.
(٣) رحلة التيجاني في المكتبة: ٣٠٧ - ٣٠٨.

<<  <   >  >>