للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على طرفي البحر الذي يفصل بين إفريقية وصقلية. وأما الأول فقد مهر في استخلاص أجمل المعاني عند غيره وتشكيله بأشكال جديدة (١) وأما ابن حمدييس فقد وصف أيضاً بأنه خفي الأخذ من غيره (٢) . فاللبنات الأولى في بناء ابن رشيق وابن حمديس، مجلوبة من المشرق. بل إن ابن حمديس ليس خفي الأخذ دائماً وإنما تظهر على السطح في شعره معاني أبي نواس وتعبيراته وتراه يعارض امرأ القيس والمعري وأبا تمام وينقض على بعض الصور في ديوان ذي الرمة، وعلى بعض الصور الأندلسية، ولا يتورع عن معارضة معاصريه.

وأمر صقلية أضيق صدراً من القيروان لأن صقلية ترى في القيروان منارة تهتدي بأضوائها. وقد رأينا كيف كان الشعراء ينظرون إلى ابن رشيق. ونحن لا نرى فيما بقي من أشعاره ما يقدمه على متوسطي الشعراء المشارقة. وابن حمديس أبعد منه خطأ في الشاعرية، ومع ذلك فإنك تجد ابن حمديس الصقلي يتناول شعر ابن رشيق بالمعارضة أو التصرف.

ويستوى تأثير المدرسة الإفريقية في صقلية والقيروان. فكثير من الشعراء في القيروان كانوا يترفعون عن الهجاء إما تجنباً للذم أو ذهاباً مع الكبر (٣) ، وهذا ما نجده عند ابن حمديس أيضاً فإنه لم يكن يهجو، وفي ديوانه عدة قصائد يفتخر فيها بتعاليه عن التورط الهجاء. وكان من مذهب الكتاب أن لا يمدحوا، وهذا قد يعلل انعدام المدح في شعر أبي عبد الله بن الطوبي وهو من أجل كتاب صقلية.

والمدرسة الإفريقية كانت الفكرة تكره " المحلية " لأنها لا تكفل للشاعر سيرورة شعره في الأقطار الإسلامية " فليس من أتي بلفظ محصور يعرفه طائفة من الناس دون طائفة.. كالذي لفظه سائر في كل أرض، معروف بكل مكان " (٤)


(١) ابن سناء: فصوص الفصول: ٨٥.
(٢) الخريدة: ١٢ الورقة ٢٧ وما بعدها.
(٣) العمدة ١: ٧١.
(٤) العمدة ١: ٥٩.

<<  <   >  >>