للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها. غير أن آدم أخرج من الجنة حقا فهل خرج ابن حمديس من جنته مختارا أو وجد من أخرجه؟ ويعود هذا التساؤل يثير الحيرة في غربة مختارة أو غير مختارة، وحسبنا أن حمديس يقول إنه أخرج من هذه الجنة دون أن يذكر لنا الخطيئة التي أخرجته أو الثمرة المحرمة التي أكل منها. ولكن من تتبع ابن حمديس في ديوانه يجد " الذنب " شبحاً يلاحقه كقوله في غربته (١) :

ألم ترَ أنا في نوىً مستمرة ... نروح ونغدو كالمصر على الذنب وقوله في الصحراء (٢) :

كأنك في ذنب عظيم بقطعها ... فأنت إلى الرحمن منه تتوب وتتردد صورة آدم في نفسه فيقول (٣) :

قد كنت في عهد النصيح كآدم ... لكن ذكرتُ هوى الدمى فنسيت ولست أرى بأساً من اعتبار ابن حمديس تحت ظل ذنب معين بهذه الأبيات وغييرها.

نعم إنه آمن بأن حياة اللهو كانت ذنوباً، وأظهر الندم عليها في آخر عمره، وكانت صورة جده الشيخ الناسك الذي ضمه إلى صدره تتعرض من وراء السنين لتنظر إليه نظرة لوم على حياته اللاهية، ولكن لعل الخطيئة الكبرى كانت تشغل حاله، والخطيئة الكبرى في حياته أنه قصر حتى في حق وطنه، وإذا كان آدم قد نسى فأكل من الثمرة فإن ابن حمديس نسي الثمرة حين كانت في حاجة إلى رعايته. لقد رأيناه يحرض الصديق على أن يموت دفاعاً عن وطنه فلم لم يقل هذا لنفسه؟ ورأيناه دائماً يتمدح ببطولة قومه ليمدح نفسه فيهم، ويتستر وراء حادثة أن اثنتين باشر فيهما العمل فعلاً من أجل وطنه، ولكن ضميره كان يحدثه


(١) القصيدة رقم ٢٨.
(٢) رقم ٢٩.
(٣) رقم ٤٧ وانظر أيضاً رقم ٤٠.

<<  <   >  >>