للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ريفية لم يلمحها غلا شاعر غريب، وفي مسينة أقام تسعين يوماً - إن صحت رواية البيت - عند جلف ثقيل الظل لا تخف روحه ولو علق في جبينه جناحي جبريل مع أنه مسينة نفسها أعجبته خين نزلها غرة شعبان سنة ٣٦٣هـ؟ (١) وأعلن عن إعجابه بقوله:

بلد أعارتهُ الحمامة طوقها ... وكساهُ حُلة ريشة الطاووس

فكأنما الأزهار منه سُلافةٌ ... وكأن ساحات الديار كؤوس صورة صقلية أخرى لم تفتن إلا شاعراً غريباً.

وعاد بعدها إلى تلك المجنونة التي كانت تسحب نفسها على ماء مجنون مثلها، سفينة هوجاء تحلف لهم بالنون أنهم سيكونون طعاماً للحيتان، وأخيراً. رحبت به سرقوسة فنزل في ملجأ أمين.

لا نعرف على وجه الدقة المدة التي قضاها ابن قلاقس في صقلية ولكنه كانفي اليمن سنة ٥٦٥هـ، فمقامه فيها رما لا يتجاوز السنتين. وفي أثناء هذه الإقامة تعرف إلى حياة بلرم وبعض رجلاتها، وحضر مجالس الشراب، ووصفها وذهب يطيل المدائح في أبي القاسم بن الحجر، ويثني على قدرته في الكتابة وعلى جوده، ويمدح بنيه أبا بكر وعمر وعثمان، ويهنئه بالصوم والعيد، وعرف من حياة صقلية ومن جمالها ما لمسنا أثره في القصيدة المتقدمة. ومن المغالاة أن ننسب إلى صقلية اثراً في شاعريته وصنعته لأن ذلك القدر من الإقامة لا يبيح مثل هذا التأثر السريع. وإذا كان شعره تحت سماء صقلية امتلأ بأسماء أمكنة صقلية وأعلام من أهلها، فهذا شيء لا يضفي على الشعر سمات جديدة والذين يدرسون أثر بيئة معنية في الشاعر سيجدون في مثل ابن قلاقس عقدة من نوع ما، لأنه لم يكن يستقر في مكان.

ولم تستطع صقلية أن ترضي ابن قلاقس ولذلك نجده يقول لصديقه الشيخ


(١) انظر الخريدة نسخة نور عثمانية الورقة ٥٤.

<<  <   >  >>