للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأشعث غلب على النصر فغلب على الصبر» ؛ فأحذر أن يقال: «هذا ابن حسّان غلب على العلم فغلب على التعلّم!» ، وقد قال عامر بن عبد القيس:

«الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان» .

وقد علم أني شديد الحبّ إلى رشادك، حريص على هدايتك، وأنا بعد ذلك كله أسأل الله أن يديم لك العصمة وأن يوفقك للمعرفة، وقد قال بعض العلماء: «لا تستجب إلا لمخلص أو مظلوم» ؛ فأما نيّتي في تبصرتك باب الرشد من العيّ فقد تقدّم القول مني فيها بما سمعت؛ وأما الظلم فمن أظلم لصديقه ممّن أفسد نفسه عليه، ومن أجوز على وليّه ممّن دان بدين عدّوه؟ ومن التوفير على حظّ هذا الكتاب من الأفهام وعلى حظّك من التفهّم أن لا يهدّه القارىء هدا ولا ينثر كلامه نثرا، فلا يكون نصيب السمع منه إلّا صدى الصوت ولا حظّ العقل منه إلّا استحسان التأليف؛ فعليك بالتوقّف وحده بالترسّل والتثبّت مع تفريغ البال ونفي الاشغال ومع الاحتراس من دبيب الهوى وفراغ المنشإ.

[٢- لا وجه للمقارنة بين علي ومعاوية]

خبّرني أيّ شيء نفيت لعلي بن أبي طالب من الفضل، وأيّ شيء نفيت على معاوية من النقص حتّى وضعت الخيار بينهما وأقررت الشبهة في أمرهما من غير إكراه ولا إحلال عذر؟ فمن أعجز رأيا ممّن زعم [أنّ ... ] أفضل من سمرة وأنّ سحبان أخطب من باقل، وأن زيادا أدهى من هبنقة، وأنّ أبا ذرّ أصدق من مسيلمة، وأنّ الجالينوس أطبّ من أبي دينار! وهل ذلك إلّا في مجرى من قال: «أيّما أصدق: المسيح بن مريم أو المسيح الدجال؟» ، وهل ذلك إلّا كقول القائل: «أيّما أحلى: العسل أم الخل؟» وليس للخلّ حظ في الحلاوة.

قلنا: فكيف تزعم أنّ عليّا أولى بالإمامة من معاوية وليس لمعاوية في

<<  <   >  >>