للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العالم فلا بدّ من اجتماع اللين والشدّة إمّا في شخص واحد وإمّا في شخصين، وقد قال الله: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ

، وفي المثل المحمود: «قتل البعض إحياء الجميع» ، وليس في الأرض ملك إلّا وأطراف مملكته تنتهي إلى حدود ممالك الملوك، فهو وإن تنصّر فإنّ الملوك لا يتنصّرون معه، وإن تزندق لم يتزندقوا معه، على أنّ الملوك لم تنصب الأديان رغبة في الديانات ولكنها تعلم أنّها إن لم يكن لها دين لم تلزم بيعة ولم يثبت عقد أولى الملك من بعدها، ولم يتديّن الناس بقتال من يخرج عليها ويريد إزالتها؛ وإن لم يكن دين كانت الأموال منتهبة والزوجات مشتركة ولم يثبت نسب ولم يكن لأحد وارث ولم يكن تزويج ولا طلاق ولا ملك ولا عتاق ولم يثبت توكيل ولا أجرة ولا شهادة ولا وصية ولا شرط ولا عهد ولا حدود ولا قصاص ولا قود ولا حبس ولا إقرار ولا إنكار ولا دعوى ولا أيمان ولا بيع ولا شراء ولا ميراث؛ وإنّما يحرص عليه لأنّ به وفيه ثبات ملكه وتوكيد سلطانه، ثمّ لا يبالي ما قالوا في الله وما جوّزوا على الله وكيف وقعت الأمور بعد أن يستقيم له شيء يكون فيه وبه ثبات الملك.

فإن كنت تحبّ أن تعلم أنّ الذي أقول حقّ فتأمّل قول كسرى مع شدّة عقله في الله وفي إبليس وفي أعلام زرادشت وفي شرائعه من غشيان الأمهات والتوضؤ بالأبوال، وفي دين قيصر وقوله في الله وفي المسيح وفي بولص، وفي دين ملوك العرب وفي عبادة الحجارة، وفي ملوك الهند في البدّ وفي تعظيم الزنا، ودخول النيران، وهؤلاء رؤساء الأمم، فانظر كيف تجدهم في الأديان.

[٣٦- اسباب صلاح معاوية للخلافة بنظر السفيانية]

وإذا كان هؤلاء وهم بقية الشورى لا يصلحون للإمامة فمن دونهم أجدر ألّا يصلح لها وكانوا منها أبعد؛ وقلت إنّ معاوية أولى بها منهم إذ كان أبرأهم ساحة من هذه العيوب وأسلمهم فناء من هذه اللوائم، ولأنّه أيضا أوّل

<<  <   >  >>