للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلتكن هذه سيرتك في أعدائك.

واعلم أنّ إشاعة الأسرار فساد في كلّ وجه من الوجوه، من العدوّ والصديق. وقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «استعينوا على الحوائج بسترها؛ فإنّ كلّ ذي نعمة محسود» .

وإذا أفشيت سرّك فجاءت الأمور على غير ما تقدّر كان ذلك منك فضلا من قولك على فعلك. وقد قيل في الأمثال: «من أفشى سرّه كثر المتآمرون عليه» .

فلا تضع سرّك إلّا عند من يضرّه نشره كما يضرّك، وينفعه ستره بحسب ما ينفعك.

[١٢- أجناس الناس]

واعلم أنّك ستصحب من الناس أجناسا متفرّقة حالاتهم، متفاوتة منازلهم، وكلّهم بك إليه حاجة، وكلّ طائفة تسدّ عنك كثيرا من المنافع لا يقوم به من فوقها، ولعلّهم مجتمعون على نصيحتك والشّفقة عليك. فمنهم من تريد منه الرأي والمشورة، [ومنهم من تريده للحفظ والأمانة] ، ومنهم من تريده للشّدّة والغلظة، ومنهم من تريده للمهنة. وكلّ يسدّ مسدّه على حياله. وقد قيل في الحكمة: «إنّ الخلال تنفع حيث لا ينفع السّيف» .

ولا تخلينّ أحدا منهم- عظم قدره أو صغرت منزلته- من عنايتك وتعهّدك بالجزاء على الحسنة، والمعاتبة عند العثرة؛ ليعلموا أنّهم منك بمرأى ومسمع. ثمّ لا تجوزنّ بأحد منهم حدّه، ولا تدخله فيما لا يصلح له، تستقم لك حاله، ويتّسق لك أمره.

واعلم أنّه سيمرّ بك في معاملات الناس حالات تحتاج فيها إلى مداراة أصناف الناس وطبقاتهم، يبلغ بك غاية الفضيلة فيها، وكمال العقل والأدب منها، أن تسالم أهلها وتملك نفسك عن هواها، وتكفّ من جماحها، بالأمر

<<  <   >  >>