للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ اعلم أنّه لا بدّ لك من الخبر على تأثيم من ترك إكفاره، بل على إكفار من ترك إكفاره، إذ كان إنما كفره بردّ المنصوص وما لا يحتمل التأويل؛ وأمّا أن تجرأ أن تدعّي عليهم من إكفاره خلاف ما ثبتت به الشهادة عنهم وخلاف المعروف من قولهم، فلو كان كذلك لكا [ن] الخبر به مشهورا ولكان معروفا مستفيضا؛ بل ينبغي أن يكون قد كان ثبت عنده أن وطيا قد كان، ورأى فيه الشبه والمخايل والاخلاق والشمائل وشبّه له القافة، وذهب في سبيل الفراسة وتأويل قول عمر وسمع كلام أبي مريم وقوّاه رأي المغيرة فقال: «هو ابن أبي سفيان» ، لم يذهب الى تثبيت حكم ولكنّه حبل كان عنده من نطفته فكأنه قال:

«هو من نطفة أبي سفيان» ، وكان أغلظ أحواله أن يكون كمن استلاط اليوم منّا رجلا أو أقرّ بولد عند موته ليصرف الميراث عن آخرين، ولم يعترض على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه وسنته بردّ ولا جحود؛ والحاكم عندك وعند أصحابك قد يعطل الحكم ويحكم بالهوى ويجلد من يستحقّ القطع ويقطع من يستحقّ الجلد؛ ثم أنتم لا ترون إكفاره ولا تشريكه.

[١٨- موقف الجاحظ الحيادي]

ولم أنصب نفسي- حفظك الله- لاحتجاج له إلّا بما يلزمني من الاحتجاج من لا يرى إكفاره من السلف، وإيّاهم أردت وعنهم دافعت؛ وعلى أنّي على كلّ حال أكره الزيادة والنقصان، والعدل أولى بنا وهو مذهب إخواننا ومشايخنا وسلفنا من المعتزلة في فرق ما بين الاكفار والتفسيق، وفي فرق ما بين التفسيق والتأثيم، ولسنا ممّن يميل في شقّ عن شقّ ويتعصّب لبعض على بعض ومن يبخس حقّ الدون، فكأنّك به قد تبخس حقّ من فوقه حتى تصير إلى أئمّته المهتدين وخلفائه الراشدين؛ لست عمريا دون أن أكون علويّا ولا علويّا دون أن أكون عثمانيّا، اللهمّ إلّا بما أخصّ به العترة بسبب القرابة، وأمّا في غير ذلك فليس شأني إلّا محبّة الجميع والتوفير على الكل ودفع الظلامة عن الكبير والضعيف على قدر ما شاهدنا عليه من الحالات؛ وليس هذا الكتاب من كتب

<<  <   >  >>