للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانوا يتعجّبون ممن رأى الوقوف في حرب عليّ والزبير وطلحة ولم يقف في حرب عليّ ومعاوية، وأن معاوية إمّا أن يكون على الحقّ وإمّا أن يكون أثبت على القياس وأبقى على المسائل من أمر طلحة والزّبير، وأنّ حجّته في قتال عليّ أصحّ من حجّة عبد الله بن وهب، وأنّ عذره أوضح من عذر أصحاب النهر، ولكنه لّما كان أهل الحجاز وأهل العراق لبغضتهم على أهل الشام ولطول محاربتهم لأجناد بني مروان وآل أبي سفيان أطلقوا] على عداوتهم البراءة منهم، صار من عرف حقّهم استعمل التقيّة ومن لم يعرفه قال: «تقول تلك الجماعة» ، إذ كان لا يرى الجماعة إلّا تلك الجماعة.

[٢٩- موقف طلحة والزبير من علي]

وذلك أنّ عليّا سمّى أصحاب الجمل الناكثين لنكث طلحة والزّبير لبيعته، ولم يختلف الناس في بيعتهما له، ولا أنكر ذلك الزبير يوم واقفه عليّ بالبصرة وقد أقرّ بها طلحة ثمّ ادّعى الإكراه؛ ففي واجب الحكم أن يقضي عليه بإقراره وأن يسأل البيّنة على دعواه؛ ولم يستشهد إلّا أسامة، وليس في قول أسامة وحده حجة على أنّه لم يشهد عليّ، وأسامة ممّن ترك بيعة عليّ، ولو لم يدع بيعة عليّ لما كان في شهادة الواحد حجّة؛ على أنّه لم يشهد إلّا بأنه بايع وهو كاره، وهذا اللفظ يحتمل الوجوه، وهو بخلاف ما أراد طلحة اشبه.

والحقّ كله مرّ والباطل كله حلو؛ وقد خلق الله النار فحفها بالشهوات وخلق الجنة فحفها بالمكاره؛ ومن صفة الطاعة أن يحتمل فيها صاحبها الكلفة والمشقّة ومجانبة الهوى، ومن صفة المعصية أن يدخل فيها من طريق الشهوة لها والذهاب معها، وقد رجع الزّبير عند الاذكار، وتأخر طلحة الى خلاف موضع صاحب الاستبصار حتّى قتل في أخريات الناس، ولذلك قال بعض الناس:

«لله مصرع شيخ ما أضيعه» ، وهو لا يستطيع ان يدّعي على معاوية عقد بيعة ولا على أصحابه نكثا كما ادّعى على الزبير وأقرّ له بها طلحة.

<<  <   >  >>