للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٣- فضائل معاوية]

ولم أقل إنّ معاوية ليس بمذكور بالعقل والحلم وبالدهاء والفهم وبالنكرى والجزم والسودد والعزم، وبالبيان العجيب والغور البعيد، وإنّه لم يكن كاتب وحي الله وصاحب ديوان بيت مال الله، وإنّ أبا بكر لم يولّه مقدّمة أخيه، وإن عمر لم يجمع له أرباع الشامات وإنّه لم يعزله إلى أن توفي ولم يغضب عليه مذ رضي عنه، ولم يكتب له بفضل خصال القضاء وترتيب منازل الحكم، كما كتب إلى أبي موسى الاشعريّ وإلى قضاته في الأمصار ورجال الفتيا في الأطراف، وإنّ عثمان لم يؤكّد له ما تقدم منهما ويثبت له ما جرى له من قبلهما وزاد في تثبيت عدالته وتزكية بجالته في سني الجماعة وسني الاختلاف؛ وأدنى حالاته أن يكون مؤمنا غير فاسق ووليّا غير عدو وعدلا غير مزوّر، مع علمي بأنّهم لم يكونوا ليولوا الثغور والاحرام والإمارات العظام إلّا القويّ الأمين وصاحب الرأي الرصين.

[٤- اسس استحقاق الامامة بنظر الجاحظ]

ولكنّ الخلافة، يا ابن حسّان، لا تستحقّ والامامة لا تستوجب إلّا بالتقدّم في الفضل والتقدّم في السوابق، وإلّا بان يكون الفضل إمّا ظاهرا للعيون ومشهورا عند جميع المسلمين قد أجمعوا على تقديم رجل وتأمير أمير من تلقاء أنفسهم بغير سيف ولا خوف ولا إكراه ظاهر ولا سبب يوجب سوء الظنّ فضلا على غير ذلك؛ وإمّا بأن يختاروه عن تشاور وتناظر ويظهر فضله بعد طول التخابر؛ أو يكون له ذلك [في] مصره دون رهطه بميراث العمومة ويستحقّها كما تستحقّ المقامات الموروثة؛ أو يكون ذلك من جهة وصيّة أو وراثة مشهورة؛ أو يكون ذلك نتيجة خصال كريمة لاقت القرابة وحرمة العترة، فبلغ صاحبها باجتماع الخصلتين ما لا يبلغه صاحب الواحدة ويكون مقنعا للإلف لأنّه أمسّ بالمعدن وأقرب من صاحب المقام وأحرى أن لا يخفى مكانه على بعيد

<<  <   >  >>