للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١٢- موضوع الكتاب]

هذا كتاب كنت كتبته أيّام المعتصم بالله، رضي الله عنه، فلم يصل إليه، لأسباب يطول شرحها، فلذلك لم أعرض للإخبار عنها. وأحببت أن يكون كتابا قصدا، ومذهبا عدلا، ولا يكون كتاب إسراف في مديح قوم، وإغراق في هجاء آخرين، وإن كان الكتاب كذلك شابه الكذب، وخالطه التزيّد، وبنى أساسه على التكلّف، وخرج كلامه مخرج الاستكراه والتّدليق.

وأنفع المدائح للمادح وأجداها على الممدوح، وأبقاها أثرا وأحسنها ذكرا: أن يكون المديح صدقا، وللظّاهر من حال الممدوح موافقا، وبه لاثقا، حتّى لا يكون من المعبّر عنه والواصف [له] إلّا الإشارة اليه، والتنبيه عليه.

وأنا أقول: إن كان لا يمكن ذلك في مناقب الأتراك إلّا بذكر مثالب سائر الأجناد، فترك ذكر الجميع أصوب، والاضراب عن [هذا الكتاب أحزم، وذكر الكثير من] هذه الأصناف بالجميل، لا يقوم بالقليل من ذكر بعضهم بالقبيح، لأنّ ذكر الأكثر بالجميل نافلة، وباب من التطوّع، وذكر الأقلّ بالقبيح معصية، وباب من ترك الواجب. وقليل الفريضة أجدى علينا من كثير التطوّع.

ولكلّ نصيب من المساوىء ومقدار من الذّنوب؛ وإنّما يتفاضل الناس بكثرة المحاسن وقلّة المساوي. فأمّا الاشتمال على جميع المحاسن، والسّلامة من جميع المساويء دقيقها وجليلها، وظاهرها وخفيّها، فهذا لا يعرف.

وقد قال النابغة:

ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث، أيّ الرّجال المهذّب

وقال حريش السّعدي:

<<  <   >  >>