للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان الأمر على ما وصفنا فالبنويّ خراسانيّ. وإذا كان الخرسانيّ موليّ، والمولى عربيّ- فقد صار الخرسانيّ والبنويّ والمولى والعربيّ واحدا.

وأدنى ذلك أن يكون الذي معهم من خصال الوفاق غامرا ما معهم من خصال الخلاف، بل هم في معظم الأمر وفي كبر الشّأن وعمود النّسب متّفقون. والأتراك خراسانية وموالي الخلفاء قصرة، فقد صار التركيّ الى الجميع راجعا، وصار شرفه إلى شرفهم زائدا.

وإذا عرف سائر ذلك سامحت النّفوس، وذهب التّعقيد، ومات الضّغن، وانقطع سبب الاستثقال؛ فلم يبق إلّا التحاسد والتّنافس الذي لا يزال يكون بين المتقاربين في القرابة وفي المجاورة.

على أنّ التّوازر والتسالم في الرابات وفي بني الأعمام والعشائر، أفشى وأعمّ من البعداء.

ولخوف التّخاذل ولحبّ التناصر، والحاجة إلى التّعاون- انضمّ بعض القبائل في البوادي الى بعض، ينزلون معا ويظعنون معا. ومن فارق أصحابه أقلّ، [و] من نصر ابن عمّه أثر. ومن اغتبط بنعمته وتمنّى بقاءها والزيادة فيها اكثر ممّن بغاها الغوائل، وطلب انقطاعها وزوالها. ولا بدّ في أضعاف ذلك من بعض التّنافس والتخاذل، إلّا أنّ ذلك قليل من كثير.

وليس يجوز أن تصفو الدّنيا وتنقى من الفساد والمكروه حتّى يموت جميع الخلائق، وتستوي لأهلها، وتتمهّد لسكّانها على ما يشتهون ويهوون؛ لأن ذلك من صفة دار الجزاء، وليس كذلك صفة دار العمل.

<<  <   >  >>