للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان القول في التمييز بينهما في الدهاء والنكرى وصحة العقل والرأي البر، لا على أنا لا نصف الصالحين بالدهاء والنكرى ولا نقول: «ما كان أنكر أبا بكر ابن أبي قحافة وما كان أنكر عمر بن الخطاب!» ، ولا يقول أحد عنده من الخبر شيء: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أدهى العرب والعجم وأنكر قريش وأمكر كنانة» لأنّ هذه الكلمة إنما وضعت في مديح أصحاب الأرب ومن يتعمّق في الرأي في توكيد أمر الدنيا وزبرجدها وتشديد أركانها؛ فأما أصحاب الآخرة الذين يرون الناس لا يصلحون على تدبير البشر وإنما يصلحون على تدبير الخالق للبشر، فانّ هؤلا لا يمدحون بالدهاء والنكرى ولم يمنعوا هذا إلا ليعطوا أفضل منه؛ ألا ترى أنّ المغيرة بن شعبة، وكان أحد الدّهاة، [قال] : «أنت كنت توهم شيئا فتلقيه عنك، ما رأيتك مستجليا أحدا إلا رجمته كائنا من كان ذلك الرجل، كان- والله- أعقل من أن يخدع وافضل من أن يخدع» ، ولم يذكره بالدهاء والنكرى، هذا مع عجبه باضافة الناس ذلك اليه؛ ولكن قد علم أنه إن أطلق على الائمة الألفاظ التي [لا] تصلح لاهل الطهارة كان ذلك غير مقبول منه، فهذا هذا.

وكذلك كان حكم قول معاوية للجمع: «أخرجوا إلينا قتلة عثمان نحن لكم سلم» ، فاجهد كلّ جهدك واستعن بمن شايعك إلى ان تتخلّص الى صواب رأي في ذلك الوقت أضله عليّ حتى تعلم أنّ معاوية خادع وان عليّا كان المخدوع؛ فإن قلت: وقد بلغ ما أراد ونال ما أحبّ، قلنا: وهل رأيت كتابا وضع لا على أنّ عليّا كان قد امتحن في أصحابه في دهره لما لم يمتحن به إمام قبله من الاختلاف والمنازعة والتشاجّ على الرئاسة والتسرّع والعجلة، وهل أتي إلا من هذا المكان؟ أو لسنا قد فرغنا من هذا مرّة؟ وقد علمنا أنّ ثلاثة نفر تواطؤوا وتتابعوا على قتل ثلاثة: فانفرد ابن ملجم بالتماس ذلك من عليّ، وانفرد [عمرو بن بكر التميمي] بالتماس ذلك من عمرو بن العاص وانفرد [البرك بن عبد الله الصريميّ] بالتماس ذلك من معاوية؛ فكان من الاتّفاق او من الامتحان أن كان عليّ المقتول من بينهم، وفي قياس مذهبكم أن

<<  <   >  >>