للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأدهى وأمرّ؛ ولو كان ذلك لأصابنا من أتباع أبناء الأبناء وسرعان الغوغاء ما ينسي ما قبله ويشغل عن ذكر ما تقدّم امامه، ومن كان كذلك حكم ارتحاله وحلّه وعقده ونقضه وإبرامه لم يستحقّ تلك المقادم ولم يستوجب تلك المراتب.

وقالوا: وأمّا عليّ بن أبي طالب فإنّه مع الشرك في دم عثمان والاشتمال على قتلته لم يزل لا يرى أن يعيد الأمر إلى الشورى وكان ذلك منه طعنا على عمر وزراية منه على أولئك الرقباء والأمناء وخلافا على رأي الجماعة، والطعن على هؤلاء ضلال والخلاف عليهم إثم كبير، وإنّما كان الإنصاف والإقرار بالحقّ والخضوع اللازم أن تجتمع بقيّة الشورى وهم أربعة فيشتوروا في التخيير كمشورتهم فيه وهم ستّة، ولأنّ ذلك الأمر إنّما كان مقصورا على قوم قد أجمعوا على تفضيلهم وتوليتهم وأنّه حقّ لنفر فلا يزول حقّ الحيّ لموت الميت، والجماعة الذين كانوا بالأمس راضين لم يتغيّروا ولم يتبدّلوا، وإنما كانوا ستّة فمات عبد الرحمن وقتل عثمان: فلو تركهم عليّ يجتمعون ولم يبتزّ الأمر وصيّره إلى التخاير والتشاور وإلى طلب من هو أردّ عليهم وأنفع لهم ولو بشيء يسير وذلك هو القياس، لما كان اختلاف كما لم يكن قبله اختلاف، وعلى أنّ المسلمين لم يتشاوروا قطّ في أمر الإمامة فما دونها فافترقوا إلّا عن غير اختلاف، وكيف يختلفون وقد أطاعوا ربّهم وكيف لا يعصمهم وقد اعتصموا بحبله وآثروا حقّه؟

قال الله: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ

، وقال: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ

، وقال:

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما

، ولا يجوز أن يضمن التوفيق لنفسين إذا أرادا الإصلاح ويخذل الجماعة، ولا يجوز أن يوفّق من كان من عرض الأمّة ويدع الأئمّة.

وبعد فهل خالف ذلك الرأي من عمر أحد؟ ولقد اتّفقوا عليه بعد موته كما اتّفقوا عليه قبل موته؛ ولقد خالف بعضهم أبا بكر في استخلاف عمر وما خالف أحد عمر في وضع الأمر في الستّة، ولم يقل أحد من الستّة: «فينا واحد لم يكن ينبغي أن يكون معنا» ، أو: «في الناس واحد كان ينبغي أن يكون

<<  <   >  >>