للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاستدلالات، نستعمل هذه المعارضة بمناقب الأتراك، والموازنة بين خصالهم وخصال كلّ صنف من هذه الأصناف، سلكنا في هذا الكتاب سبيل أصحاب الخصومات في كتبهم، وطريق أصحاب الأهواء في الاختلاف الذي بينهم.

وكتابنا هذا إنّما تكلّفناه لنؤلّف بين قلوبهم التي كانت مختلفة، ولنزيد الألفة إن كانت مؤتلفة، ولنخبر عن اتّفاق أسبابهم لتجتمع كلمتهم، ولتسلم صدورهم، وليعرف من كان لا يعرف منهم موضع التفاوت في النسب، وكم مقدار الخلاف في الحسب، فلا يغيّر بعضهم مغيّر، ولا يفسده عدوّ بأباطيل مموّهة وشبها مزوّرة؛ فإنّ المنافق العليم، والعدوّ ذا الكيد العظيم، قد يصوّر لهم الباطل في صورة الحقّ، ويلبس الاضاعة ثياب الحزم. إلا أنّا على حال سنذكر جملا من أحاديث رويناها ووعيناها، وأمور رأيناها وشاهدناها، وفضائل تلقّفناها من أفواه الرجال وسمعناها.

وسنذكر جميع ما في هذه الأصناف من الآلات والأدوات، ثم ننظر أيّهم لها أشدّ استعمالا، وبها أشدّ استقلالا، ومن أثقب كيسا وأفتح عينا وأذكى يقينا، وابعد غورا وأجمع أمرا، وأعمّ خواطر وأكثر غرائب، وأبدع طريقا، وأدوم نفعا في الحروب؛ وأضرى وأدرب دربة، وأغمض مكيدة، وأشدّ احتراسا وألطف احتيالا؛ حتّى يكون الخيار في يد الناظر المتصفّح لمعانيه، والمقلّب لوجوهه، والمفكّر في أبوابه، والمقابل بين أوّله وآخره، فلا نكون نحن انتحلنا شيئا دون شيء، وتقلّدنا تفضيل بعض على بعض، بل [لعلّنا أن لا] نخبر عن خاصّة ما عندنا بحرف واحد.

فإذا دبّرنا كتابنا هذا التدبير، وكان موضوعه على هذه الصّفة، كان أبعد له من مذاهب الجدال والمراء، واستعمال الهوى.

وقد ظنّ ناس أنّ أسماء أصناف الأجناس كما اختلفت في الصّورة والخطّ والهجاء، أن حقائقها ومعانيها على حسب ذلك. وليس الأمر على حسب ما توهّمه؛ ألا ترى أنّ اسم الشّاكريّة وإن خالف في الصّورة والهجاء اسم

<<  <   >  >>