للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جمال النظم القرآني وبلاغته. وليس كالزمخشري من يستطيع أن يكشف لنا عن جمال القرآن وسحر بلاغته، لما برع فيه من المعرفة بكثير من العلوم؛ لا سِيَّمَا ما برز فيه من الإلمام بلغة العرب، والمعرفة بأشعارهم، وما امتاز به من الإحاطة بعلوم البلاغة والبيان والإعراب والأدب، ولقد أضفى هذا النبوغ العلمي والأدبي على تفسير الكشاف ثوبًا جميلًا لَفَتَ إليه أنظار العلماء وعلق به قلوب المفسرين"١ وقد استفاد من تفسير الزمخشري جل المفسرين الذين جاءوا بعده حتى من كان من أهل السنة، ولا شك في أن الزمخشري نحا في تفسيره سبيل الانتصار لآراء المعتزلة ومذهبهم٢ ولولا المسائل الاعتزالية التي فيه، ولولا تلك الروح الغالبة عليه؛ لكان هذا التفسير في طليعة التفاسير


١ التفسير والمفسرون ص٤٣٣ ج١.
٢ ومثال هذا أنه قال عند تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ... } "فإن قلتَ: ما الإيمان الصحيح؟ قلتُ أن يعتقد الحق، ويعرب عنه بلسانه ويصدقه بعمله؛ فمن أَخَلَّ بالاعتقاد وإن شهد وعمل فهو منافق، ومن أخل بالشهادة فهو كافر، ومن أخل بالعمل فهو فاسق" "الكشاف ص٣٩ ج١"، تراه يفسر الإيمان بما يثبت به المنزلة بين المنزلتين وهي منزلة الفاسق بين منزلة المؤمن ومنزلة الكافر؛ فينفي الإيمان عن سليم العقيدة ما دام أنه قد أخل بواجب العمل.
ومثال آخر من تفسيره في قوله تعالى {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} يقول الزمخشري: وإسناد الرزق إلى نفسه للإعلام بأنهم ينفقون الحلال المطلق الذي يستأهل أن يضاف إلى الله، ويعلق الشيخ الزرقاني عليه فيقول: وهذا إيماء ورمز إلى أن الرزق الحلال من الله، وأن الرزق الحرام من العبد. ويرد عليه أهل السنة بقوله سبحانه {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} فالله هو الخالق الرزاق لا غيره؛ سواء أكان الرزق حلالًا أم حرامًا، عن مناهل العرفان في علوم القرآن ص٥٣٩ ج١.

<<  <   >  >>