للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الآفاق الإسلامية؛ فصار محط أنظار أهل العلم، وكان قوي الشخصية قَوَّالًا بالحق، ينصح أولي الأمر، لم يشارك في الفتن أو الثورات التي ظهرت في عصره؛ بل رغب عنها، ومع هذا لم يسلم من أذى بعض الناس؛ فقد استغل بعض المغرضين روايته لحديث "ليس على مستكره طلاق" وفتواه بعدم وقوع طلاق المكره، ونقل هذا إلى والي المدينة، وبأن مالكًا لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء. وقد ذاع هذا وشاع في وقت خروج محمد بن عبد الله بن حسن النفس الزكية بالمدينة، وقد "لزم مالك بيته"؛ فاستدعاه والي المدينة جعفر بن سليمان، وضرب بالسياط. وكان ذلك بعد مقتل محمد بن عبد الله نحو سنة "١٤٦هـ" فاستاء أهل المدينة لذلك، وسخطوا على بني العباس وولاتهم، وبخاصة أن الإمام مالكًا لم يحرض على الفتنة؛ فلم يكن لأبي جعفر المنصور بد من أن يعتذر إليه حين قدم إلى الحجاز حاجًا؛ فأرسل إلى الإمام مالك وتبرأ من كل ما جرى له، وأثنى عليه، وتوعد أمير المدينة بالعقوبة الشديدة وكان في جملة ما قاله للإمام مالك: "....وأمرت بضيق محبسه والاستبلاغ في امتهانه: أي والي المدينة، ولا بد من أن أنزل به العقوبة أضعاف ما نالك منه"؛ فقال له الإمام مالك رحمه الله "عافى الله أمير المؤمنين، وأكرم مثواه، قد عفوت عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرابتك منك"؛ فقال أبو جعفر: "فعفى الله عنك ووصلك". هذا يدل على مكانة الإمام مالك وسمو نفسه ورفيع تسامحه رحمه الله. توفى رحمه الله سنة "١٧٩هـ" في المدينة ودفن بالبقيع.

وقد أثنى العلماء عليه في علمه ودينه واستقامته؛ فقد كان عالمًا بالحديث ورجاله، عالمًا بالجرح والتعديل، وبفقه الصحابة والتابعين.. رحمه الله.

<<  <   >  >>