وبدأت التجربة من بابها العملي؛ فكنت أحمل بعض كنوز مكتبتنا الإسلامية إلى الفصول، قاعات المحاضرات- أضعها بين يدي الطلاب، ندرسها دراسة عامة، ونحلل بعض ما جاء فيها، وأبين منزلة كل كتاب بين كتب العلم التي صنف فيها ذلك الكتاب، كما كنا نرتاد مكتبة الكلية أحيانا نعيش بين أمهات المصادر والمراجع، تمر الساعات العديدة من غير أن نشعر بها، ونحن نستطلع وندرس، ونوازن ونناقش، ونقارن ونعارض، وكثيرًا ما كنت أوزع الطلاب في مجموعات، أضع بين يدي كل مجموعة ما ينوبها من المصادر، ونشرع في التطبيق العملي بعد بيان خطة البحث ... ؛ باستخراج ترجمة عالم تارة، أو الوقوف على مواضع حديث تارة أخرى، أو معرفة مواطن موضوع ... وغير هذا ... فانتقل الطلاب من التلقي والسلبية، إلى المشاركة والإيجابية؛ فكنتَ ترى الحياة والنشاط ينبعثان من تلك المجموعات، والبشر يعلو صفحات الوجوه حين تدرك مجموعة بغيتها قبل غيرها، وتعم السعادة النفوس، وتثلج الصدور للمحاولات والمناقشات العلمية الرفيعة المنظمة، التي كانت تدور بين براعم العلماء ... وإلى جانب هذا كان يقوم بعض الطلاب بإعداد دراسات وافية تتناول بعض الكتب، أو فصولًا أو فصلًا من كتاب، أو موضوعًا ذا أهمية علمية.. ثم يلقونها على زملائهم، ويجيبون عن أسئلتهم ويتبادلون النقاش فيها..
لقد عشنا أيامًا علمية طيبة؛ فكان الطلاب يتعطشون إلى حصص هذه المادة، كما كنت أرتقبها من بين الحصص لأطالع طلابي بكل جديد، لقد كانت حصصًا حية عملية تجتذب الحريص على العلم بسحرها وكنوزها، وتنوع فنونها، وتعدد موضوعاتها ...
وكان لا بد من منهاج يحدد الطريق، ومن غاية واضحة نقطف ثمارها، عاجلًا أو آجلًا؛ فالتزمت منهجًا لهذا المقرر يدور بين