للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال - رحمه الله - في حديث عَنْعَنَ فيه بقية بن الوليد - وهو حديث ذمِّ القدرية وأنهم مجوس هذه الأمة -: "لو قال بقيةُ: حدثنا الأوزاعي. مشى حال الحديث، ولكن عَنْعَنَهُ مع كثرة تدليسه"١. وقال عنه مرة: "وإنما نُقِمَ عليه التدليس، مع كثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين، وأما إذا صرح بالسماع: فهو حجة"٢.

ومع تقرير ابن القَيِّم - رحمه الله - لمذهب الجمهور، وعمله بمقتضاه في عدة مناسبات - كما سبق نقل أمثلة لذلك - فإنه يذهب إلى استثناء بعض المدلسين من هذه القاعدة، فيرى: أن من كان لا يدلس إلا عن ثقة، فإنه تقبل عنعنته، ولا يطالب بإظهار السماع والتحديث.

وقد مضى معنا أن هذا أحد المذاهب في المسألة، وأن ابن عبد البر حكاه عن أكثر أئمة الحديث، وجزم به الذهبي رحمه الله٣.

فكأن ابن القَيِّم - رحمه الله - جمع بين هذين المذهبين في العمل، فيرى: أن حديث المدلس لا يقبل منه إلا ما صَرَّحَ فيه بالسماع، إلا فيمن كان لا يُدَلِّس عن الضعفاء، وكان لا يُدَلِّسُ إلا عن ثقة.

ومما قاله في هذا الصدد:

"وأبو الزبير وإن كان فيه تدليس، فليس معروفاً بالتدليس عن الضعفاء، بل تدليسه من جنس تدليس السلف، لم يكونوا يدلسون عن متهم ولا مجروح، وإنما كثر هذا النوع من التدليس في المتأخرين"٤.


١ تهذيب السنن: (٧/٦٠) .
٢ تهذيب السنن: (١/١٢٩) .
٣ الموقظة: (ص ٤٥) .
٤ زاد المعاد: (٥/٤٥٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>