الظواهر اللغوية والظواهر الاجتماعية، وانحرافهم أحيانًا عن جادَّة الصواب في هذه السبيل، وتفسيرهم لبعض الظواهر اللغوية تفسيرًا خاطئًا يبعد بها عن المجتمع وشئونه؛ ولذلك أنشئوا فرعًا خاصًّا في علمهم سموه "علم الاجتماع اللغوي" "Sociologie Linguistique", وعالجوا فيه الظواهر اللغوية بطريقةٍ تكشف عن العلاقات التي تربطها بمختلف الظواهر الاجتماعية، وتكفل سد ما في البحوث القديمة من نقص وإصلاح ما بها من أخطاء, وقد أوغل بعضهم في هذا السبيل حتى كاد ينكر أن لغير العوامل الاجتماعية أثرًا في شئون اللغة.
ومهما يكن نصيب نظرياتهم من الصواب، فهي قد أعطت هذه البحوث شخصية متميزة، وجعلتها موضوع فرع مستقل، وجعلت كثيرًا من علماء اللغة أنفسهم ينزلها هذه المنزلة, ويفرد لها دراسة خاصة, ولذلك سنوجِّه إليها قسطًا كبيرًا من عنايتنا في معظم فصول هذا الكتاب.
٧- بحوث نفسية تدرس العلاقة بين الظواهر اللغوية والظواهر النفسية بمختلف أنواعها؛ من تفكير وخيال وتذكر ووجدان ونزوع.. إلخ، وتبين أثر كل طائفة منها في الأخرى، وتشرح ما تؤديه اللغة من وظائف معتمدة في أدائها على ظواهر نفسية كالإيحاء والتأثير، وتعرض لما يعتمد عليه كسب الطفل للغة من قوى نفسية ... وهلم جرّا.
ولا تقل أهمية هذه البحوث في دراسة اللغة عن أهمية البحوث الاجتماعية السابقة, وذلك أن أهم العوامل التي تؤثر في الظواهر اللغوية لا تخرج عن طائفتين: ظواهر اجتماعية عامة؛ وظواهر نفسية فردية١.
فموضوعات البحث الذي نحن بصدده تمتزج بموضوعات الفروع
١ تتأثر الظواهر اللغوية كذلك بالظواهر البيولوجية والفيزيولوجية والجغرافية, كما سنذكر ذلك بتفصيل عند كلامنا على علاقة علم اللغة بما عداه "انظر صفحة ٣٠ وتوابعها". ولكن أهمية هذه العوامل أقل كثيرًا من أهمية الظواهر الاجتماعية والنفسية.