لا شك أن الفضل في نشأة اللغة الإنسانية يرجع إلى المجتمع نفسه, وإلى الحياة الاجتماعية. فلولا اجتماع الأفراد بعضهم مع بعض, وحاجتهم إلى التعاون والتفاهم وتبادل الأفكار, والتعبير عما يجول بالخواطر من معانٍ ومدركات, ما وجدت لغة ولا تعبير إرادي.
ولا شك كذلك أن اللغة ظاهرة اجتماعية تنشأ كما ينشأ غيرها من الظواهر الاجتماعية، فتخلقها طبيعة الاجتماع، وتنبعث عن الحياة الجميعة, وما تقتضيه هذه الحياة من شئون١.
فليست المشكلة إذن في البحث عن الأسباب التي دعت إلى نشأة اللغة, ولا في البحث عمن أنشاها, وإنما المشكلة في البحث عن العوامل التي دعت إلى ظهورها في صورة أصوات مركبة ذات مقاطع متميزة الكلمات، والكشف عن الصورة الأولى التي ظهرت بها هذه الأصوات، أي: الأسلوب الذي سار عليه الإنسان في مبدأ الأمر في
١ انظر في ذلك كتابي في "اللغة والمجتمع" الطبعة الثالثة, وخاصة صفحات ٣-٧.