ترى طائفة من الباحثين -على رأسها الأستاذ Onufrowicz- أن لحاسة النظر دخلًا كبيرًا في التقليد اللغوي، وأن رؤية الطفل لشفتي المتكلم وحركتهما، وعمله على محاكاة هذه الحركة، وإخراجه الصوت الذي يتلاءم معها، كل ذلك يساعده على إجادة عملية التقليد ويذللها له، وأن هذه الرؤية لا تقل أثرًا بهذا الصدد عن العوامل الثلاثة التي ذكرناها في الفصل السابق.
وأهم الأدلة الي يقدمها هؤلاء على صحة نظريتهم ترجع إلى ما يلي:
١- أن الطفل في مبدأ هذ المرحلة لا يستطيع محاكاة صوت يصدر من متكلم غير مواجه له, وهذا دليل على توقف التقليد اللغوي، في مراحله الأولى على الأقل، على رؤية شفتي المتكلم وملاحظة حركاتهما.
٢- أن الأطفال في مرحلة "التمرينات النطقية١", وهي المرحلة السابقة لمرحلة التقليد اللغوي، يوجهون اهتمامًا كبيرًا إلى ملاحظة شتفي المتكلم, وملاحظة حركاتهما, ويحركون شفاههم في صورة يحاولون بها محاكاة ما رأوه بدون أن يلفظوا صوتًا ما, وهذا يدل على أن محاكاة الطفل للآثار المرئية للصوت تسبق تقليده للصوت نفسه، وتمرنه على هذا التقليد، وتهيئ له عنصرًا هامًّا من عناصره.
٣- أن أول كلمات يقلدها الطفل هي الكلمات التي تكثر فيها الحروف الشفوية، وهي الحروف التي تخرج من الشفتين ويقتضي نطقها