١- انتقال اللغة من السلف إلى الخلف, وأثره في التطور اللغوي:
على الرغم من أن الطفل يأخذ اللغة عن أبويه والمحيطين به، فإن لغة الخلف في كل أمة تختلف عن لغة السلف في كثير من المظاهر، وبخاصة مظاهر الصوت.
ويرجع جزء يسير من نواحي هذا الاختلاف إلى أمور خاصة مقصورة على بعض الأفراد؛ كالعيوب الصوتية التي يصاب بها بعض الناس، وضعف السمع، واختلاف أعضاء النطق ... وما إلى ذلك, وليس لمثل هذه الأمور شأن كبير في تطور اللغة؛ لأن آثارها مقصورة على أصحابها، تبقى معهم وحدهم في حياتهم وتختفي بموتهم.
أما معظم نواحي هذا الاختلاف وأكبرها أثرًا في تطور اللغة؛ فترجع إلى أمور عامة يشترك فيها جميع أفراد الطبقة الواحدة, ويمتازون بها عن أفراد الطبقة السابقة لهم؛ كالتطور الطبيعي لأعضاء النطق في الفصيلة الإنسانية؛ لأن أعضاء النطق في تطور طبيعي مطّرد، فتختلف في كل طبقة عنها في الطبقة السابقة لها؛ والتطور الطبيعي للظواهر النفسية "فالقوى العقلية بمختلف أنواعها في تطور طبيعي مطرد, فتختلف في كل طبقة عنها في الطبقة السابقة لها، شأنها في ذلك شأن أعضاء النطق، ومن الواضح أن كل تطور يحدث في هذه القوى ينبعث صداه في اللغة"، والأخطاء التي تنتشر بين الصغار في طبقة ما, ولا يفطن لها الكبار لدقتها وخفائها, أو يهملون إصلاحها, ولا يُعْنَوْنَ بالقضاء عليها، وكثرة استخدام الكبار في جيل ما لبعض المفردات في غير ما وضعت له عن طريق التوسع أو المجاز, لدواع اجتماعية خاصة, فتنتقل هذه المفردات إلى الجيل اللاحق بمعانيها المجازية وحدها، والنظم والتقاليد الخاصة التي يسير عليها المجتمع في جيلٍ ما في تلقين الأطفال اللغة في الأسرة, وتعليمهم إياها في المدارس؛ فالفروق اللغوية