قد يحدث على أثر فتح أو استعمار أو حرب أو هجرة ... أن ينزح إلى البلد عنصر أجنبي ينطق بلغة غير لغة أهله؛ فيشتبك اللغتان في صراعٍ ينتهي إلى إحدى نتيجتين؛ فأحيانًا تنتصر لغة منهما على الأخرى؛ فتصبح لغة جميع السكان قديمهم وحديثهم, أصيلهم ودخيلهم، وأحيانًا لا تقوى واحدة منهما على الأخرى؛ فتعيشان معًا جنبًا لجنب.
أ- الحالات التي يحدث فيها تغلب إحدى اللغتين:
وتحدث النتيجة الأولى، وهي أن تتغلب إحدى اللغتين على الأخرى فتصبح لغة جميع السكان أصيلهم ودخيلهم، في حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون كلا الشعبين همجيًّا, قليل الحضارة, منحط الثقافة، ويزيد عدد أفراد أحدهما عن عدد أفراد الآخر زيادة كبيرة؛ ففي هذه الحالة تتغلب لغة أكثرهما عددًا سواء أكانت لغة الغالب أم المغلوب، لغة الأصيل أم الدخيل, وذلك أنه عند انعدام النوع يتحكم الكم في مصير الأمور, ولكن هذه النتيجة لا تحدث إلّا إذا كانت اللغتان المتصارعتان من شعبة لغوية واحدة أو شعبتين متقاربتين.
والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ, فمن ذلك أن الإنجليز السكسونيين، حينما نزحوا من أواسط أوربا إلى إنجلترا، لم تلبث لغتهم أن تغلبت على اللغات السلتية التي كان يتكلم بها السكان الأصليون, وذاك لأن عدد من بقي من السلتيين بهذه الأقاليم لم يكن شيئًا مذكورًا بجانب عدد المغيرين، وكلا الشعبين كان همجيًّا منحطًّا في مستوى حضارته ومبلغ ثقافته، وكلتا اللغتين تنتمي إلى فصيلة اللغات الهندية الأوربية. والنورمانديون Normands، حينما أغاروا على إنجلترا في منتصف القرن التاسع الميلادي واحتلوا معظم