لغة الآداب وخصائصها وأنواعها، الشعر والنثر وظيفتا اللغة: الدلالة والإيحاء:
كما تنشعب لغة المحادثة إلى لهجات مختلفة تبعًا لاختلاف الأقاليم وما يحيط بكل إقليم من ظروف وما يمتاز به من خصائص، تنشعب كذلك لغة الكتابة أو اللغة الفصحى, إلى شعب مختلفة تبعًا لاختلاف فنون القول التي تستخدم فيها، وما يمتاز به كل فن منها: الشعر، النثر الأدبي، الخطابة، القصة، الرسالة، التاريخ، القانون، تدوين العلوم ... إلخ. وذلك أن كل فَنٍّ من هذه الفنون يختلف عما عداه في طبيعته وأغراضه البيانية، ومناهج الاستدلال فيه، ومقدار صلته بكل من الناحيتين الوجدانية والإدراكية، ومدى إقبال الجمهور عليه, وأثره في نفسه, وتلاؤمه مع اتجاهاته وحاجاته، ومبلغ نشاط المشتغلين به وما يخترعونه فيه من اصطلاحات, ويدخلونه من أساليب, ويقتبسونه عن اللغات الأجنبية من مفردات وأفكار ... وهلم جرا.
وغنيٌّ عن البيان أن الاختلاف في هذه الأمور وما إليها يؤدي حتمًا إلى اختلاف كل فن من الفنون السابق ذكرها عما عداه؛ في مفرداته وأساليبه ومعانيه وأفكاره وطريقة علاجه للحقائق ... وما إلى ذلك. وقد تتسع مسافة الخلف بين هذه الفنون فتصبح لغة كل منها أشبه شيء بلغة مستقلة, وهذا هو المشاهد الآن في كثير من اللغات الراقية؛ فبمجرد سماع عبارة من اللغة العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها من اللغات الراقية, يستطاع بسهولة معرفة الفن الذي تتصل به؛ فعلى ضوء مفرداتها وأسلوبها ونظمها وتراكيبها وطريقة إبانتها عن الحقائق ... يستطاع بسهولة الحكم إن كانت شعرًا أم خطابة أم كتابة رسائل أم مقالًا صحفيًّا أم بحثًا علميًّا ... وهلم جرا.