للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحدها في مدارس الدولة، ويجري بها تدريس المواد المختلفة في معاهدها، وتؤلف بها الكتب والصحف والمجلات، وتصدر بها المكاتبات الرسمية وغيرها، وتستخدم في مختلف مناحي الوعظ والخطابة، وتلقى بها الأوامر, ويجري بها التخاطب في الجيش.... هلم جرا١.

فقد ترتَّبَ على تغلب لهجة باريس على معظم أخواتها أن أصبحت "لغة الدولة" بفرنسا، وعليها وحدها يطلق الآن اسم اللغة الفرنسية, وهذا هو ما حدث عقب تغلب لهجة لندن بإنجلترا ومدريد بأسبانيا, واللهجة السكسونية بألمانيا, والتوسكانية بإيطاليا، فقد أصبحت هذه اللهجات هي اللغات الرسمية، وعليها وحدها يطق الآن اسم اللغات الإنجليزية والأسبانية والألمانية والإيطالية.

وتسلك لغات الكتابة في تطورها طريقًا خاصًّا تختلف عن الطريق التي تسلكها لغات المحادثة، كما سيظهر ذلك في الفقرة التالية, وفي الفصل الرابع, ولذلك نرى أن لغة الكتابة، مع اتفاقها في المبدأ مع لهجة المحادثة الغالبة، لا تلبث فيها بعد أن تختلف عنها في كثير من الشئون, ولا تنفك مسافة الخلف تتسع بينهما حتى تستقل كل منهما عن الأخرى؛ فلغة الكتابة بفرنسا تختلف الآن عن لهجة المحادثة الباريسية اختلافًا غير يسير، وكذلك الشأن في إنجلترا، فقد بعدت اللهجة الدارجة لأهل لندن بعدًا كبيرًا عن اللغة الفصحى، حتى إن بعض العلماء قد ألف فيها معجمات خاصة٢.


١ قد لا يكون للأمة آية لغة قومية مستقلة, كما هو شأن النمسا، فإن لغتها هي الألمانية، وقد يكون للدولة أكثر من لغة رسمية واحدة، كما هو شأن سويسرا، فإن بها ثلاث لغات رسمية: الألمانية والفرنسية والإيطالية. وقد تكون اللغة الرسمية ولغة الكتابة في الأمة هي اللغة القديمة التي انشعبت منها لهجتها، كما كان شأن اللاتينية بفرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال ورومانيا، وكما هو شأن اللغة العربية الآن بمصر والسودان وبلاد العرب وشمال إفريقيا.
٢ من هؤلاء العلامة بارتروج, أستاذ اللغات الإنجليزية، فقد أخرج منذ سنوات معجمًا للغة الإنجليزية العامية, بحث فيه بحثًا علميًّا اللغة الدارجة لأهل لندن. "انظر جريدة المصري الصادرة في ٢١/ ٥/ ١٩٥٠".

<<  <   >  >>