٣- أثر العوامل الاجتماعية والنفسية والجغرافية في خصائص اللغة وتطورها, ونقد نظرية دو سوسور De Saussure
تتأثر اللغة أيما تأثر بحضارة الأمة، ونظمها وتقاليدها، وعقائدها واتجاهاتها ودرجة ثقافتها، ونظرها إلى الحياة، وأحوال بيئتها الجغرافية وشئونها الاجتماعية العامة ... وما إلى ذلك, فكل تطور يحدث في ناحية من هذه النواحي يتردد صداه في أداة التعبير, ولذلك تعد اللغات أصدق سجل لتاريخ الشعوب, فبالوقوف على المراحل التي اجتازتها لغة ما، وفي ضوء خصائصها في كل مرحلة منها، يمكن استخلاص الأدوار التي مر بها أهلها في مختلف مظاهر حياتهم.
فكلما اتسعت حضارة الأمة، وكثرت حاجاتها ومرافق حياتها، ورقي تفكيرها, وتهذبت اتجاهاتها النفسية، نهضت لغتها، وسمت أساليبها، وتعددت فيها فنون القول، ودقت معاني مفرداتها القديمة، ودخلت فيها مفردات أخرى عن طريق الوضع والاشتقاق والاقتباس للتعبير عن المسميات والأفكار الجديدة. وهلم جرا. واللغة العربية أصدق شاهد على ما نقول؛ فقد كان لانتقال العرب من همجية الجاهلية إلى حضارة الإسلام، ومن النطاق العربي الضيق الذي امتازت به حضارتهم في عصر بني أمية, إلى الأفق العالمي الواسع الذي تحولوا إليه في عصر بني العباس، كان لهذين الانتقالين أجلَّ أثر في نهضة لغتهم ورقيّ أساليبها واتساعها لمختلف فنون الأدب وشتى مسائل العلوم.
وانتقال الأمة من البداوة إلى الحضارة يهذب لغتها، ويسمو بأساليبها، ويوسع نطاقها، ويزيل ما عسى أن يكون بها من خشونة، ويكسبها مرونة في التعبير والدلالة, وأن موازنة بين حالة اللغة العربية