ومن أهم شعب اللغة الفصحى ما يسمونه لغة الأدب "Langue Litteraire"، وهي التي تستخدم في الأدب شعره ونثره, وتمتاز هذه الشعبة عن أخواتها بأن ما يتخذه غيرها وسيلة تتخذه هي غاية، أو توجه إليه على الأقل أكبر قسط من العناية؛ ففي جميع الشعب الأخرى "لغة العلوم، لغة الفلسفة، لغة التاريخ ... " يتخذ الكلام مجرد وسيلة للتعبير عن الحقائق, أما في هذه الشعبة فيتخذ البيان نفسه غرضًا في ذاته, ويوجه إلى تجويده أكبر قسط من المجهود, فأهم ما يقام له وزن في لغة الأدب هو جمال القول، ورقة الأسلوب، وحسن البيان، ورصانة اللفظ، وفصاحة الكلام، وبلاغة التعبير ... وهلم جرَّا.
وتنقسم لغة الآداب نفسها إلى فنون كثيرة؛ أهمها: الشعر وملحقاته، والنثر الأدبي، والخطابة، والقصة, ويختلف كل فن من هذه الفنون عن أخوته؛ في طبيعته، وموضوعاته، ومواطن استخدامه، ومقدار صلته بالوجدان والإدراك، ومبلغ نشاط المشتغلين به، وما يناله من تطور وتجديد، وما يرمي إليه من أغراض ... إلخ, وقد ترتَّبَ على ذلك أن كان لكل فن منها خصائصه اللغوية, ومميزاته في النظم والوزن، والتأليف الموسيقي، وجرس الألفاظ، وتركيب الجمل، وطريقة الاستدلال، وشرح الحقائق، ومنحى الأسلوب.
وأهم ما يمتاز به الشعر عن غيره أنه يتجه أولًا, وبالذات إلى مخاطبة الوجدان والعواطف لا الإدراك والتفكير، وأن غرضه الأساسي هو الإيحاء بالحقائق والإحساسات, لا شرح المسائل وتقريبها إلى الأذهان, ولذلك يظهر فيه تعمد الغموض والميل إلى الإبهام، ويسيطر على أساليبه الخيال، ويكثر في عباراته التشبيه واستخدام الكلمات والعبارات في غير ما وضعت له عن طريق الكناية والمجاز، ويبدو فيه النفور من تحليل الحقائق وكراهة التعمق في الشرح والاستدلال. أما نظم العبارات في أوزان خاصة, فهو مجرد شرط شكلي في الشعر: فإن جنح كلام منظوم إلى الشرح والاستدلال والتعمق في توضيح الحقائق, وتغلبت فيه وجهة الدلالة على وجهة الإيحاء، فإنه يصبح